قال ابن جرير (١) : حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع البصري حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا داود بن ابي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك ، ثم ندم فأرسل إلى قومه أن سلوا لي رسول الله هل لي من توبة؟ فنزلت (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ـ إلى قوله ـ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فأرسل إليه قومه فأسلم ، وهكذا رواه النسائي والحاكم وابن حبان من طريق داود بن أبي هند به ، وقال الحاكم : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه.
وقال عبد الرزاق : أنبأنا جعفر بن سليمان ، حدثنا حميد الأعرج ، عن مجاهد ، قال : جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه ، فأنزل الله فيه (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ـ إلى قوله ـ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قال : فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه ، فقال الحارث : إنك ـ والله ما علمت ـ لصدوق ، وإن رسول الله لأصدق منك ، وإن الله لأصدق الثلاثة ، قال : فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه (٢).
فقوله تعالى : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) أي قامت عليهم الحجج والبراهين على صدق ما جاءهم به الرسول ، ووضح لهم الأمر ثم ارتدوا إلى ظلمة الشرك ، فكيف يستحق هؤلاء الهداية بعد ما تلبسوا به من العماية ، ولهذا قال تعالى : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). ثم قال تعالى (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) أي يلعنهم الله ، ويلعنهم خلقه ، (خالِدِينَ فِيها) أي في اللعنة ، (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) أي لا يفتر عنهم العذاب ولا يخفف عنهم ساعة واحدة ثم قال تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وهذا من لطفه وبره ورأفته ورحمته وعائدته على خلقه أن من تاب إليه ، تاب عليه.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ(٩٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٩١)
يقول تعالى متوعدا ومهددا لمن كفر بعد إيمانه ، ثم ازداد كفرا ، أي استمر عليه إلى الممات ، ومخبرا بأنهم لن تقبل لهم توبة عند الممات ، كما قال تعالى : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) [النساء : ١٨] ، ولهذا قال هاهنا (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) أي الخارجون عن المنهج الحق إلى طريق الغي.
قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، حدثنا يزيد بن زريع حدثنا
__________________
(١) تفسير الطبري ٣ / ٣٣٨.
(٢) تفسير الطبري ٣ / ٣٣٨ ـ ٣٣٩.