عليك يا محمد (بِالْحَقِ) اي نكشف ما الأمر عليه في الدنيا والآخرة (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) أي ليس بظالم لهم بل هو الحكم ، العدل الذي لا يجور ، لأنه القادر على كل شيء ، العالم بكل شيء ، فلا يحتاج مع ذلك إلى أن يظلم أحدا من خلقه ، ولهذا قال تعالى : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي الجميع ملك له وعبيد له (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) أي هو الحاكم المتصرف في الدنيا والآخرة.
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (١١٠) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١١١) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) (١١٢)
يخبر تعالى عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم ، فقال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) قال البخاري : حدثنا محمد بن يوسف ، عن سفيان عن ميسرة ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) قال : خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام (١) ، وهكذا قال ابن عباس ومجاهد وعطية العوفي وعكرمة وعطاء والربيع بن أنس (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) يعني خير الناس للناس ، والمعنى أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس ، ولهذا قال (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ).
قال الإمام أحمد (٢) : حدثنا أحمد بن عبد الملك ، حدثنا شريك ، عن سماك ، عن عبد الله بن عميرة ، عن زوج درّة بنت أبي لهب ، عن درة بنت أبي لهب قالت : قام رجل إلى النبيصلىاللهعليهوسلم وهو على المنبر ، فقال : يا رسول الله أي الناس خير؟ قال «خير الناس أقرؤهم وأتقاهم لله ، وآمرهم بالمعروف ، وأنهاهم عن المنكر ، وأوصلهم للرحم».
ورواه أحمد في مسنده ، والنسائي في سننه ، والحاكم في مستدركه ، من حديث سماك ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) قال : هم الذين هاجروا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم من مكة إلى المدينة. والصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة كل قرن بحسبه ، وخير قرونهم الذين بعث فيهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، كما قال في الآية الأخرى (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) [البقرة : ١٤٣] أي خيارا
__________________
(١) صحيح البخاري (تفسير سورة آل عمران باب ٧)
(٢) مسند أحمد ٦ / ٤٣٢.