عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» (١) ولكن لم يثبت بهذا اللفظ ، وإنما الذي في صحيح البخاري ، عن عبد الرحمن بن عوف ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أخذ الجزية من مجوس هجر ، ولو سلّم صحة هذا الحديث ، فعمومه مخصوص بمفهوم هذه الآية (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) فدل بمفهومه مفهوم المخالفة على أن طعام من عداهم من أهل الأديان ، لا يحل.
وقوله تعالى : (وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) أي ويحل لكم أن تطعموهم من ذبائحكم ، وليس هذا إخبارا عن الحكم عندهم ، اللهم إلا أن يكون خبرا عما أمروا به ، من الأكل من كل طعام ، ذكر اسم الله عليه ، سواء كان من أهل ملتهم أو غيرها ، والأول أظهر في المعنى ، أي ولكم أن تطعموهم من ذبائحكم كما أكلتم من ذبائحهم ، وهذا من باب المكافأة والمقابلة والمجازاة ، كما ألبس النبي صلىاللهعليهوسلم ثوبه لعبد الله بن أبي ابن سلول ، حين مات ودفنه فيه ، قالوا : لأنه كان قد كسا العباس حين قدم المدينة ثوبه ، فجازاه النبي صلىاللهعليهوسلم ذلك بذلك ، فأما الحديث الذي فيه «لا تصحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلا تقي» (٢) فمحمول على الندب والاستحباب ، والله أعلم.
وقوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ) أي وأحل لكم نكاح الحرائر العفائف من النساء المؤمنات ، وذكر هذا توطئة لما بعده ، وهو قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) فقيل أراد بالمحصنات الحرائر ، دون الإماء ، حكاه ابن جرير (٣) عن مجاهد ، وإنما قال مجاهد : المحصنات الحرائر ، فيحتمل أن يكون أراد ما حكاه عنه ، ويحتمل أن يكون أراد بالحرة العفيفة ، كما قال في الرواية الأخرى عنه ، وهو قول الجمهور هاهنا ، وهو الأشبه ، لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية ، وهي مع ذلك غير عفيفة ، فيفسد حالها بالكلية ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل : «حشفا وسوء كيلة» (٤) والظاهر من الآية أن المراد من المحصنات العفيفات عن الزنا ، كما قال تعالى في الآية الأخرى (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) [النساء : ٢٥].
ثم اختلف المفسرون والعلماء في قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) هل يعم كل كتابية عفيفة ، سواء كانت حرة أو أمة ، حكاه ابن جرير (٥) عن طائفة من السلف ، ممن فسر المحصنة بالعفيفة ، وقيل : المراد بأهل الكتاب هاهنا الإسرائيليات ، وهو
__________________
(١) موطأ مالك (زكاة حديث ٤٢)
(٢) مسند أحمد ٣ / ٣٨.
(٣) تفسير الطبري ٤ / ٤٤٤.
(٤) الحشف : التمر الرديء. والمثل يقال في من تجتمع فيه سيئتان ، كمن يبيعك حشفا وينتقص الكيل.
(٥) تفسير الطبري ٤ / ٤٤٤ ـ ٤٤٥.