قال : قال محمد بن مسلم : قرأت كتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذي كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران ، وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم فيه «هذا بيان من الله ورسوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فكتب الآيات منها حتى بلغ (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) [المائدة : ٤]».
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد ، حدثنا يونس بن بكير ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه ، قال : هذا كتاب رسول اللهصلىاللهعليهوسلم عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن يفقه أهلها ويعلمهم السنة ، ويأخذ صدقاتهم ، فكتب له كتابا وعهدا ، وأمره فيه بأمره ، فكتب «بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من الله ورسوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) عهد من محمد رسول اللهصلىاللهعليهوسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن ، أمره بتقوى الله في أمره كله ، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون» (١).
قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد : يعني بالعقود العهود ، وحكى ابن جرير الإجماع على ذلك ، قال : والعهود ما كانوا يتعاقدون عليه من الحلف وغيره. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) يعني العهود ، يعني ما أحل الله وما حرم وما فرض وما حد في القرآن كله ، فلا تغدروا ولا تنكثوا ، ثم شدد في ذلك فقال تعالى : (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) إلى قوله (سُوءُ الدَّارِ) [الرعد : ٢٥] وقال الضحاك : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قال : ما أحل الله وحرم ، وما أخذ الله من الميثاق على من أقر بالإيمان بالنبي والكتاب أن يوفوا بما أخذ الله عليهم من الفرائض من الحلال والحرام. وقال زيد بن أسلم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قال : هي ستة (٢) : عهد الله ، وعقد الحلف ، وعقد الشركة ، وعقد البيع ، وعقد النكاح وعقد اليمين. وقال محمد بن كعب (٣) : هي خمسة منها حلف الجاهلية ، وشركة المفاوضة (٤).
وقد استدل بعض من ذهب إلى أنه لا خيار في مجلس البيع بهذه الآية (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قال : فهذه تدل على لزوم العقد وثبوته فيقتضي نفي خيار المجلس ، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك ، وخالفهما في ذلك الشافعي وأحمد والجمهور ، والحجة في ذلك ما ثبت في الصحيحين (٥) عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» وفي لفظ آخر للبخاري «إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا» وهذا صريح في إثبات خيار
__________________
(١) ينظر النص كاملا في «الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدي» لمحمد حميد الله ، ص ٢٠٧ ـ ٢٠٩.
(٢) هي خمسة في تفسير الطبري ٤ / ٣٨٧ من حديث زيد بن أسلم.
(٣) تفسير الطبري ٤ / ٣٨٧.
(٤) شركة المفاوضة : أن يجعل الشريكان جميع ما يملكانه بينهما.
(٥) صحيح البخاري (بيوع باب ١٩) وصحيح مسلم (بيوع حديث ٤٣)