الوليد ، فغل رجل من المسلمين مائة دينار رومية. فلما قفل الجيش ندم وأتى الأمير فأبى أن يقبلها منه وقال : قد تفرق الناس ولن أقبلها منك حتى تأتي الله بها يوم القيامة ، فجعل الرجل يستقري الصحابة فيقولون له مثل ذلك ، فلما قدم دمشق ذهب إلى معاوية ليقبلها منه فأبى عليه ، فخرج من عنده وهو يبكي ويسترجع ، فمر بعبد الله بن الشاعر السكسكي فقال له ما يبكيك؟ فذكر له أمره ، فقال له : أو مطيعي أنت؟ فقال : نعم ، فقال اذهب إلى معاوية فقل له اقبل مني خمسك فادفع إليه عشرين دينارا وانظر إلى الثمانين الباقية فتصدق بها عن ذلك الجيش ، فإن الله يقبل التوبة عن عباده وهو أعلم بأسمائهم ومكانهم ، ففعل الرجل ، فقال معاوية رضي الله عنه : لأن أكون أفتيته بها أحب إلي من كل شيء أملكه ، أحسن الرجل.
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٠٥)
قال مجاهد : هذا وعيد يعني من الله تعالى للمخالفين أوامره بأن أعمالهم ستعرض عليه تبارك وتعالى وعلى الرسول صلىاللهعليهوسلم وعلى المؤمنين. وهذا كائن لا محالة يوم القيامة كما قال : (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) [الحاقة : ١٨] وقال تعالى : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) [الطارق : ٩] وقال : (وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) [العاديات : ١٠] وقد يظهر الله تعالى ذلك للناس في الدنيا ، كما قال الإمام أحمد (١) : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد مرفوعا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لأخرج الله عمله للناس كائنا ما كان» وقد ورد : أن أعمال الأحياء تعرض على الأموات من الأقرباء والعشائر في البرزخ ، كما قال أبو داود الطيالسي : حدثنا الصلت بن دينار عن الحسن عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن أعمالكم تعرض على أقربائكم وعشائركم في قبورهم ، فإن كان خيرا استبشروا به ، وإن كان غير ذلك قالوا : اللهم ألهمهم أن يعملوا بطاعتك» وقال الإمام أحمد (٢) : أنبأنا عبد الرزاق عن سفيان عمن سمع أنسا يقول : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيرا استبشروا به وإن كان غير ذلك قالوا اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا».
وقال البخاري (٣) : قالت عائشة رضي الله عنها : إذا أعجبك حسن عمل امرئ مسلم فقل (اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) وقد ورد في الحديث شبيه بهذا ، قال الإمام
__________________
(١) المسند ٣ / ٢٨.
(٢) المسند ٣ / ١٦٤ ، ١٦٥.
(٣) كتاب الشهادات باب ٢٦.