وقوله تعالى : (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) أي أرضا قد طال انتظارها للغيث ، فهي هامدة لا نبات فيها ولا شيء فلما جاءها الحياء عاشت واكتست رباها أنواع الأزاهير والألوان ، كما قال تعالى : (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) [الحج : ٥] الآية ، (وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً) أي وليشرب منه الحيوان من أنعام ، وأناسيّ محتاجين إليه غاية الحاجة لشربهم وزروعهم وثمارهم ، كما قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) [الشورى : ٢٨] الآية ، وقال تعالى : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) [الروم : ٥٠] الآية.
وقوله تعالى : (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا) أي أمطرنا هذه الأرض دون هذه ، وسقنا السحاب يمر على الأرض ويتعداها ويتجاوزها إلى الأرض الأخرى ، فيمطرها ويكفيها ويجعلها غدقا ، والتي وراءها لم ينزل فيها قطرة من ماء ، وله في ذلك الحجة البالغة والحكمة القاطعة. قال ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم : ليس عام بأكثر مطرا من عام ، ولكن الله يصرفه كيف يشاء ، ثم قرأ هذه الآية (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) أي ليذكروا بإحياء الله الأرض الميتة أنه قادر على إحياء الأموات والعظام الرفات ، أو ليذكر من منع المطر إنما أصابه ذلك بذنب أصابه ، فيقلع عما هو فيه.
وقال عمر مولى غفرة : كان جبريل عليهالسلام في موضع الجنائز ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم «يا جبريل إني أحب أن أعلم أمر السحاب» قال : فقال له جبريل : يا نبي الله هذا ملك السحاب فسله ، فقال : تأتينا صكاك مختمة ، اسق بلاد كذا وكذا ، كذا وكذا قطرة. رواه ابن أبي حاتم وهو حديث مرسل.
وقوله تعالى : (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) قال عكرمة : يعني الذين يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا ، وهذا الذي قاله عكرمة كما صح في الحديث المخرج في صحيح مسلم عن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم أنه قال لأصحابه يوما على أثر سماء أصابتهم من الليل «أتدرون ماذا قال ربكم؟» قالوا : الله ورسوله أعلم. قال «قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي ، كافر بالكواكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا ، فذاك كافر بي ، مؤمن بالكواكب» (١).
(وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً(٥٢) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (٥٣) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) (٥٤)
__________________
(١) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ١٢٥.