(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (١٩٥)
يقول تعالى مخبرا عن الكتاب الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلىاللهعليهوسلم (وَإِنَّهُ) أي القرآن ذكره في أول السورة في قوله (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ) الآية (لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي أنزله الله عليك وأوحاه إليك (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) وهو جبريلعليهالسلام ، قاله غير واحد من السلف : ابن عباس ومحمد بن كعب وقتادة وعطية العوفي والسدي والضحاك والزهري وابن جريج ، وهذا مما لا نزاع فيه.
قال الزهري : وهذه كقوله (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) [البقرة : ٩٧] وقال مجاهد : من كلمه الروح الأمين لا تأكله الأرض (عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) أي نزل به ملك كريم أمين ذو مكانة عند الله مطاع في الملأ الأعلى (عَلى قَلْبِكَ) يا محمد سالما من الدنس والزيادة والنقص (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) أي لتنذر به بأس الله ونقمته على من خالفه وكذبه ، وتبشر به المؤمنين المتبعين له.
وقوله تعالى : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) أي هذا القرآن الذي أنزلناه إليك ، أنزلناه بلسانك العربي الفصيح الكامل الشامل ، ليكون بينا واضحا ظاهرا ، قاطعا للعذر ، مقيما للحجة دليلا إلى المحجة. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن أبي بكر العتكي ، حدثنا عباد بن عباد المهلبي عن موسى بن محمد عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال : بينما رسول اللهصلىاللهعليهوسلم مع أصحابه في يوم دجن إذ قال لهم «كيف ترون بواسقها؟» قالوا : ما أحسنها وأشد تراكمها. قال «فكيف ترون قواعدها؟» قالوا : ما أحسنها وأشد تمكنها. قال «فكيف ترون جونها؟» قالوا : ما أحسنه وأشد سواده. قال «فكيف ترون رحاها استدارت» قالوا : ما أحسنها وأشد استدارتها. قال «فكيف ترون برقها : أو ميض أم خفو أم يشق شقا؟» قالوا : بل يشق شقا. قال «الحياء الحياء إن شاء الله». قال : فقال رجل : يا رسول الله ، بأبي وأمي ، ما أفصحك ، ما رأيت الذي هو أعرب منك. قال : فقال «حق لي وإنما أنزل القرآن بلساني والله يقول (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) وقال سفيان الثوري : لم ينزل وحي إلا بالعربية ، ثم ترجم كل نبي لقومه ، واللسان يوم القيامة بالسريانية ، فمن دخل الجنة تكلم بالعربية ، رواه ابن أبي حاتم.
(وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٩٧) وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) (١٩٩)
يقول تعالى : وإن ذكر هذا القرآن والتنويه به لموجود في كتب الأولين المأثورة عن أنبيائهم الذين بشروا به في قديم الدهر وحديثه ، كما أخذ الله عليهم الميثاق بذلك حتى قام آخرهم