عبد الله بن رواحة : يا رسول الله قد علم الله أني منهم ، فأنزل الله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الآية.
وهكذا قال ابن عباس وعكرمة مجاهد وقتادة وزيد بن أسلم وغير واحد : أن هذا استثناء مما تقدم. ولا شك أنه استثناء ، ولكن هذه السورة مكية ، فكيف يكون سبب نزول هذه الآيات شعراء الأنصار؟ وفي ذلك نظر ، ولم يتقدم إلا مرسلات لا يعتمد عليها ، والله أعلم ، ولكن هذا الاستثناء يدخل فيه شعراء الأنصار وغيرهم حتى يدخل فيه من كان متلبسا من شعراء الجاهلية بذم الإسلام وأهله ، ثم تاب وأناب ورجع وأقلع وعمل صالحا ، وذكر الله كثيرا في مقابلة ما تقدم من الكلام السيئ. فإن الحسنات يذهبن السيئات ، وامتدح الإسلام وأهله في مقابلة ما كان يذمه ، كما قال عبد الله بن الزبعرى حين أسلم [الخفيف] :
يا رسول المليك إن لساني |
|
راتق ما فتقت إذ أنا بور (١) |
إذ أجاري الشيطان في سنن الغي |
|
ومن مال ميله مثبور |
وكذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، كان من أشد الناس عداوة للنبي صلىاللهعليهوسلم وهو ابن عمه وأكثرهم له هجوا ، فلما أسلم لم يكن أحد أحب إليه من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان يمدح رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد ما كان يهجوه ، ويتولاه بعد ما كان قد عاداه ، وهكذا روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس أن أبا سفيان صخر بن حرب لما أسلم قال : يا رسول الله ثلاث أعطنيهن ، قال «نعم» قال : معاوية تجعله كاتبا بين يديك؟ قال «نعم» قال وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين؟ قال «نعم» وذكر الثالثة (٢) ، ولهذا قال تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً) قيل : معناه ذكروا الله كثيرا في كلامهم ، وقيل في شعرهم. وكلاهما صحيح مكفر لما سبق.
وقوله تعالى : (وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) قال ابن عباس : يردون على الكفار الذين كانوا يهجون به المؤمنين ، وكذا قال مجاهد وقتادة وغير واحد ، وهذا كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لحسان : «اهجهم ـ أو قال ـ هاجهم وجبريل معك» (٣). وقال الإمام أحمد (٤) : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أنه قال للنبي صلىاللهعليهوسلم : إن الله عزوجل قد أنزل في الشعراء ما أنزل ، فقال «إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ، والذي نفسي بيده ، لكأن ما ترمونهم به نضح النبل».
__________________
(١) تقدم البيتان مع تخريجهما في تفسير الآية ١٩ ، من سورة الفرقان.
(٢) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث ١٦٨.
(٣) أخرجه البخاري في بدء الخلق باب ٦ ، ومسلم في فضائل الصحابة حديث ١٥٣ ، وأحمد في المسند ٤ / ٢٨٦ ، ٢٩٨ ، ٢٩٩ ، ٣٠١ ، ٣٠٢ ، ٣٠٣.
(٤) المسند ٦ / ٣٨٧.