حَوْلَها) وأصل الحديث مخرج في صحيح مسلم من حديث عمرو بن مرة به. وقوله تعالى : (وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) الذي يفعل ما يشاء ، ولا يشبهه شيء من مخلوقاته ، ولا يحيط به شيء من مصنوعاته ، وهو العلي العظيم المباين لجميع المخلوقات ، ولا تكتنفه الأرض والسموات ، بل هو الأحد الصمد المنزه عن مماثلة المحدثات.
وقوله تعالى : (يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أعلمه أن الذي يخاطبه ويناجيه هو ربه الله العزيز الذي عز كل شيء وقهره وغلبه ، الحكيم في أقواله وأفعاله ، ثم أمره أن يلقي عصاه من يده ليظهر له دليلا واضحا على أنه الفاعل المختار القادر على كل شيء ، فلما ألقى موسى تلك العصا من يده انقلبت في الحال حية عظيمة هائلة في غاية الكبر وسرعة الحركة مع ذلك ، ولهذا قال تعالى : (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ) والجان ضرب من الحيات أسرعه حركة وأكثره اضطرابا. وفي الحديث نهي عن قتل جنان البيوت (١) ، فلما عاين موسى ذلك (وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي لم يلتفت من شدة فرقه (٢) (يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) أي لا تخف مما ترى ، فإني أريد أن أصطفيك رسولا وأجعلك نبيا وجيها.
وقوله تعالى : (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) هذا استثناء منقطع وفيه بشارة عظيمة للبشر ، وذلك أن من كان على عمل سيئ ثم أقلع عنه ورجع وتاب وأناب ، فإن الله يتوب عليه ، كما قال تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) [طه : ١٠٢] وقال تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) [النساء : ١١٠] الآية ، والآيات في هذا كثيرة جدا. وقوله تعالى : (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) هذه آية أخرى ودليل باهر على قدرة الله الفاعل المختار ، وصدق من جعل له معجزة ، وذلك أن الله تعالى أمره أن يدخل يده في جيب درعه ، فإذا أدخلها وأخرجها خرجت بيضاء ساطعة كأنها قطعة قمر لها لمعان تتلألأ كالبرق الخاطف.
وقوله تعالى : (فِي تِسْعِ آياتٍ) أي هاتان ثنتان من تسع آيات أؤيدك بهن وأجعلهن برهانا لك إلى فرعون وقومه (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) وهذه هي الآيات التسع التي قال الله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) [الإسراء : ١٠١] كما تقدم تقرير ذلك هنالك. وقوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً) أي بينة واضحة ظاهرة (قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) وأرادوا معارضته بسحرهم ، فغلبوا وانقلبوا صاغرين (وَجَحَدُوا بِها) في ظاهر أمرهم (وَاسْتَيْقَنَتْها
__________________
(١) لفظ الحديث : «لا تقتلوا الجنّان إلا كل أبتر ذي طفيتين». أخرجه البخاري في بدء الخلق باب ١٥ ، والمغازي باب ١٢ ، ومسلم في السلام حديث ١٣١ ، ١٣٤ ، ١٣٦ ، وأبو داود في الأدب باب ١٦٢ ، والنسائي في الحج باب ٨٧ ، ومالك في الاستئذان حديث ٣١ ، ٣٢ ، وأحمد في المسند ٢ / ١٤٦ ، ٣ / ٤٣٠ ، ٦ / ٨٣. والجنان ، بكسر الجيم : جمع جان ، وهي الحية الصغيرة.
(٢) من شدة فرقه : أي من شدة خوفه.