يرى بعضكم بعضا ، وتأتون في ناديكم المنكر (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) أي لا تعرفون شيئا لا طبعا ولا شرعا كما قال في الآية الأخرى : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) [الشعراء : ١٦٥ ـ ١٦٦].
(فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) أي يتحرجون من فعل ما تفعلون ، ومن إقراركم على صنيعكم فأخرجوهم من بين أظهركم فإنهم لا يصلحون لمجاورتكم في بلادكم فعزموا على ذلك ، فدمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ، قال الله تعالى : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) أي من الهالكين مع قومها ، لأنها كانت ردءا لهم على دينهم وعلى طريقتهم ، في رضاها بأفعالهم القبيحة ، فكانت تدل قومها على ضيفان لوط ليأتوا إليهم ، لا أنها كانت تفعل الفواحش تكرمة لنبي اللهصلىاللهعليهوسلم لا كرامة لها. وقوله تعالى : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) أي حجارة من سجيل منضود ، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ولهذا قال : (فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) أي الذين قامت عليهم الحجة ، ووصل إليهم الإنذار فخالفوا الرسول وكذبوه وهموا بإخراجه من بينهم.
(قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩) أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) (٦٠)
يقول تعالى آمرا رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يقول : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي على نعمه على عباده من النعم التي لا تعد ولا تحصى وعلى ما اتصف به من الصفات العلى والأسماء الحسنى ، وأن يسلم على عباد الله الذين اصطفاهم واختارهم وهم رسله وأنبياؤه الكرام ، عليهم من الله أفضل الصلاة والسلام ، وهكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيره : إن المراد بعباده الذين اصطفى ، هم الأنبياء ، قال : وهو كقوله : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الصافات : ١٨٠ ـ ١٨٢].
وقال الثوري والسدي : هم أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم ورضي عنهم أجمعين ، وروي نحوه عن ابن عباس أيضا ، ولا منافاة فإنهم إذا كانوا من عباد الله الذين اصطفى فالأنبياء بطريق الأولى والأحرى. والقصد أن الله تعالى أمر رسوله ومن اتبعه بعد ذكره لهم ما فعل بأوليائه من النجاة والنصر والتأييد وما أحل بأعدائه من الخزي والنكال والقهر ، أن يحمدوه على جميع أفعاله ، وأن يسلموا على عباده المصطفين الأخيار.
وقد قال أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عمارة بن صبيح ، حدثنا طلق بن غنام ، حدثنا الحكم بن ظهير عن السدي عن أبي مالك ، عن ابن عباس (وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى)