وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يساقون (حَتَّى إِذا جاؤُ) ووقفوا بين يدي الله عزوجل في مقام المساءلة (قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي فيسألون عن اعتقادهم وأعمالهم! فلما لم يكونوا من أهل السعادة وكانوا كما قال الله عنهم : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) فحينئذ قامت عليهم الحجة ، ولم يكن لهم عذر يعتذرون به ، كما قال الله تعالى (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات : ٣٥ ـ ٣٧] الآية ، وهكذا قال هاهنا : (وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ) أي بهتوا فلم يكن لهم جواب لأنهم كانوا في الدار الدنيا ظلمة لأنفسهم ، وقد ردوا إلى عالم الغيب والشهادة الذي لا تخفى عليه خافية.
ثم قال تعالى منبها على قدرته التامة وسلطانه العظيم وشأنه الرفيع الذي تجب طاعته والانقياد لأوامره وتصديق أنبيائه فيما جاءوا به من الحق الذي لا محيد عنه ، فقال تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ) أي في ظلام الليل لتسكن حركاتهم بسببه وتهدأ أنفاسهم ، ويستريحون من نصب التعب في نهارهم (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أي منيرا مشرقا ، فبسبب ذلك يتصرفون في المعاش والمكاسب والأسفار والتجارات وغير ذلك من شؤونهم التي يحتاجون إليها (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (٨٧) وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (٨٨) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩) وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٩٠)
يخبر تعالى عن هول يوم نفخة الفزع في الصور ، وهو كما جاء في الحديث «قرن ينفخ فيه» (١). وفي حديث الصور : إن إسرافيل هو الذي ينفخ فيه بأمر الله تعالى ، فينفخ فيه أولا نفخة الفزع ويطولها وذلك في آخر عمر الدنيا حين تقوم الساعة على شرار الناس من الأحياء فيفزع من في السموات ومن في الأرض (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) وهم الشهداء ، فإنهم أحياء عند ربهم يرزقون.
قال الإمام مسلم بن الحجاج (٢) : حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم ، سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي ، سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ، وجاءه رجل فقال : ما هذا الحديث الذي تحدث أن الساعة
__________________
(١) أخرجه الترمذي في القيامة باب ٨ ، وتفسير سورة ٣٩ ، باب ٨ ، والدارمي في الرقاق باب ٧٩ ، وأحمد في المسند ٢ / ١٦٢ ، ١٩٢.
(٢) كتاب الفتن حديث ١١٦.