يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ) ، أي ليس المال بدال على رضا الله عن صاحبه ، فإن الله يعطي ويمنع ويضيق ويوسع ويخفض ويرفع ، وله الحكمة التامة والحجة البالغة ، وهذا كما في الحديث المرفوع عن ابن مسعود «إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم أرزاقكم ، وإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب» (١).
(لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا) أي لو لا لطف الله بنا وإحسانه إلينا لخسف بنا كما خسف به لأنا وددنا أن نكون مثله (وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) يعنون أنه كان كافرا ، ولا يفلح الكافرون عند الله لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وقد اختلف النحاة في معنى قوله هاهنا ويكأن ، فقال بعضهم : معناه ويلك اعلم أن ، ولكن خفف فقيل ويك ودل فتح أن على حذف اعلم ، وهذا القول ضعفه ابن جرير ، والظاهر أنه قوي ولا يشكل على ذلك إلا كتابتها في المصاحف متصلة ويكأن ، والكتابة أمر وضعي اصطلاحي ، والمرجع إلى اللفظ العربي ، والله أعلم ، وقيل معناها ويكأن أي ألم تر أن ، قاله قتادة. وقيل معناها وي كأن ففصلها وجعل حرف وي للتعجب أو للتنبيه ، وكأن بمعنى أظن وأحتسب. قال ابن جرير (٢) : وأقوى الأقوال في هذا قول قتادة إنها بمعنى ألم تر أن ، واستشهد بقول الشاعر [الخفيف] :
سألتاني الطلاق إذ رأتاني |
|
قلّ مالي قد جئتماني بنكر (٣) |
ويكأن من يكن له نشب يحبب |
|
ومن يفتقر يعش عيش ضر |
(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٨٤)
يخبر تعالى أن الدار الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول ، جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين الذين لا يريدون علوا في الأرض أي ترفعا على خلق الله وتعاظما عليهم وتجبرا بهم ولا فسادا فيهم ، كما قال عكرمة العلو : التجبر. وقال سعيد بن جبير : العلو البغي. وقال سفيان بن سعيد الثوري عن منصور عن مسلم البطين : العلو في الأرض التكبر
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند ١ / ٣٨٧.
(٢) تفسير الطبري ١٠ / ١١٣.
(٣) البيت الأول لزيد بن عمرو بن نفيل في الكتاب ٢ / ١٥٥ ، ٣ / ٥٥٥ ، وله أو لسعيد ابنه أو لنبيه بن الحجاج في خزانة الأدب ٦ / ٤١٠ ، ٤١٢ ، أو لنبيه بن الحجاج في شرح أبيات سيبويه ٢ / ١١ ، وبلا نسبة في شرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٤٨ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ١٧٦ ، والبيت الثاني لزيد بن عمرو بن نفيل في خزانة الأدب ٦ / ٤٠٤ ، ٤٠٨ ، ٤١٠ ، والدرر ٥ / ٣٠٥ ، وذيل سمط اللآلي ص ١٠٣ ، والكتاب ٢ / ١٥٥ ، ولنبيه بن الحجاج في الأغاني ١٧ / ٢٠٥ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١١ ، ولسان العرب (وا) ، (ويا) ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٣٥٣ ، والخصائص ٣ / ٤١ ، ١٦٩ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٨٦ ، وشرح المفصل ٤ / ٧٦ ، ومجالس ثعلب ١ / ٣٨٩ ، والمحتسب ٢ / ١٥٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٠٦.