وقوله تعالى : (وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) أي تقولون ما لا تعلمون ، ثم قال تعالى : (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) أي تقولون ما تقولون في شأن أم المؤمنين وتحسبون ذلك يسيرا سهلا ولو لم تكن زوجة النبي صلىاللهعليهوسلم لما كان هينا ، فكيف وهي زوجة النبي الأمي خاتم الأنبياء وسيد المرسلين؟ فعظيم عند الله أن يقال في زوجة رسوله ما قيل! فإن الله سبحانه وتعالى يغار لهذا ، وهو سبحانه وتعالى لا يقدّر على زوجة نبي من الأنبياء ذلك حاشا وكلا ، ولما لم يكن ذلك ، فكيف يكون هذا في سيدة نساء الأنبياء وزوجة سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا والآخرة؟ ولهذا قال تعالى : (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) وفي الصحيحين «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يدري ما تبلغ ، يهوي بها في النار أبعد مما بين السماء والأرض». وفي رواية «لا يلقي لها بالا» (١).
(وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ(١٦) يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧) وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١٨)
هذا تأديب آخر بعد الأول الآمر بظن الخير ، أي إذا ذكر ما لا يليق من القول في شأن الخيرة فأولى ينبغي الظن بهم خيرا ، وأن لا يشعر نفسه سوى ذلك ، ثم إن علق بنفسه شيء من ذلك وسوسة أو خيالا ، فلا ينبغي أن يتكلم به ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «إن الله تعالى تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل» (٢) أخرجاه في الصحيحين. وقال الله تعالى : (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) أي ما ينبغي لنا أن نتفوه بهذا الكلام ولا نذكره لأحد (سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) أي سبحان الله أن يقال هذا الكلام على زوجة رسوله وحليلة خليله.
ثم قال تعالى : (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً) أي ينهاكم الله متوعدا أن يقع منكم ما يشبه هذا أبدا أي فيما يستقبل ، فلهذا قال (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي إن كنتم تؤمنون بالله وشرعه ، وتعظمون رسوله صلىاللهعليهوسلم ، فأما من كان متصفا بالكفر فذاك حكم آخر ، ثم قال تعالى: (وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) أي يوضح لكم الأحكام الشرعية والحكم القدرية (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي عليم بما يصلح عباده ، حكيم في شرعه وقدره.
(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (١٩)
هذا تأديب ثالث لمن سمع شيئا من الكلام السيئ ، فقام بذهنه شيء منه وتكلم به فلا يكثر
__________________
(١) أخرجه البخاري في الرقاق باب ٢٣ ، ومسلم في الزهد حديث ٥٠.
(٢) أخرجه البخاري في الأيمان باب ١٥ ، ومسلم في الإيمان حديث ٢٠١ ، ٢٠٢.