والأرض ، ثم قال تعالى : (وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) فالعشاء هو شدة الظلام ، والإظهار قوة الضياء ، فسبحان خالق هذا وهذا ، فالق الإصباح ، وجاعل الليل سكنا ، كما قال تعالى : (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) [الشمس : ٣ ـ ٤] وقال تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) [الليل : ١ ـ ٢] وقال تعالى : (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) [الضحى : ١ ـ ٢] والآيات في هذا كثيرة.
وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا زبّان بن فائد عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال «ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفي؟ لأنه كان يقول كلما أصبح وكلما أمسى : سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ، وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون» وقال الطبراني : حدثنا مطلب بن شعيب الأزدي ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث بن سعيد بن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه ، عن عبد الله بن عباس عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «ومن قال حين يصبح سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ، وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون ، الآية بكمالها أدرك ما فاته في يومه ، ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته» إسناد جيد ورواه أبو داود (٢) في سننه.
وقوله تعالى : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) هو ما نحن فيه من قدرته على خلق الأشياء المتقابلة ، وهذه الآيات المتتابعة الكريمة كلها من هذا النمط ، فإنه يذكر فيها خلقه الأشياء وأضدادها ، ليدل خلقه على كمال قدرته ، فمن ذلك إخراج النبات من الحب والحب من النبات ، والبيض من الدجاج والدجاج من البيض ، والإنسان من النطفة والنطفة من الإنسان ، والمؤمن من الكافر والكافر من المؤمن وقوله تعالى : (وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) كقوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ـ إلى قوله ـ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ) [يس : ٣٣ ـ ٣٤] وقال تعالى : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ـ إلى قوله ـ وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) [الحج : ٥ ـ ٧] وقال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً ـ إلى قوله ـ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأعراف : ٥٧] ولهذا قال هاهنا (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ).
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٢١)
__________________
(١) المسند ٣ / ٤٣٩.
(٢) كتاب الأدب باب ١٠١.