منه ولا يشيعه ويذيعه ، فقد قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي يختارون ظهور الكلام عنهم بالقبيح (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا) أي بالحد ، وفي الآخرة بالعذاب الأليم (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أي فردوا الأمور إليه ترشدوا. وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا محمد بن بكير ، حدثنا ميمون بن موسى المرئي ، حدثنا محمد بن عباد المخزومي عن ثوبان عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم ، ولا تطلبوا عوراتهم ، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته ، حتى يفضحه في بيته».
(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢١)
يقول الله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي لو لا هذا لكان أمر آخر ، ولكنه تعالى رؤوف بعباده رحيم بهم ، فتاب على من تاب إليه من هذه القضية ، وطهر من طهر منهم بالحد الذي أقيم عليهم ، ثم قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) يعني طرائقه ومسالكه وما يأمر به (وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) هذا تنفير وتحذير من ذلك بأفصح عبارة وأبلغها وأوجزها وأحسنها ، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (خُطُواتِ الشَّيْطانِ) عمله.
وقال عكرمة : نزغاته. وقال قتادة : كل معصية فهي من خطوات الشيطان. وقال أبو مجلز: النذور في المعاصي من خطوات الشيطان. وقال مسروق : سأل رجل ابن مسعود فقال : إني حرمت أن آكل طعاما وسماه ، فقال : هذا من نزغات الشيطان ، كفّر عن يمينك وكل وقال الشعبي في رجل نذر ذبح ولده : هذا من نزغات الشيطان ، وأفتاه أن يذبح كبشا.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا حسان بن عبد الله المصري ، حدثنا السري بن يحيى عن سليمان التيمي عن أبي رافع قال : غضبت علي امرأتي فقالت هي يوما يهودية ويوما نصرانية ، وكل مملوك لها حر إن لم تطلق امرأتك ، فأتيت عبد الله بن عمر فقال : إنما هذه من نزغات الشيطان ، وكذلك قالت زينب بنت أم سلمة وهي يومئذ أفقه امرأة بالمدينة ، وأتيت عاصم بن عمر فقال مثل ذلك.
ثم قال تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) أي لو لا هو يرزق من يشاء التوبة والرجوع إليه ويزكي النفوس من شركها ، وفجورها ودنسها ، وما فيها من أخلاق رديئة كل بحسبه ، لما حصل أحد لنفسه زكاة ولا خيرا (وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) أي
__________________
(١) المسند ٥ / ٢٧٩.