البركات من السماء والأرض. ولهذا إذا نزل عيسى ابن مريم عليهالسلام في آخر الزمان يحكم بهذه الشريعة المطهرة في ذلك الوقت من قتل الخنزير وكسر الصليب ووضع الجزية ، وهو تركها ، فلا يقبل إلا الإسلام أو السيف ، فإذا أهلك الله في زمانه الدجال وأتباعه ويأجوج ومأجوج ، قيل للأرض : أخرجي بركتك ، فيأكل من الرمانة الفئام من الناس ويستظلون بقحفها ، ويكفي لبن اللقحة الجماعة من الناس ، وما ذاك إلا ببركة تنفيذ شريعة محمد صلىاللهعليهوسلم فكلما أقيم العدل كثرت البركات والخير. ولهذا ثبت في الصحيح : «أن الفاجر إذا مات تستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب» (١).
وقال الإمام أحمد بن حنبل (٢) : حدثنا محمد والحسين قالا : حدثنا عوف عن أبي قحذم قال : وجد رجل في زمان زياد أو ابن زياد ، صرة فيها حب ، يعني من بر ، أمثال النوى عليه مكتوب : هذا نبت في زمان كان يعمل فيه بالعدل ، وروى مالك عن زيد بن أسلم أن المراد بالفساد هاهنا الشرك ، وفيه نظر. وقوله تعالى : (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) الآية ، أي يبتليهم بنقص الأموال والأنفس والثمرات اختبارا منه لهم ومجازاة على صنيعهم (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي عن المعاصي ، كما قال تعالى : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الأعراف : ١٦٨] ثم قال تعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ) أي من قبلكم (كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) أي فانظروا ما حل بهم من تكذيب الرسل وكفر النعم.
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ(٤٣) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) (٤٥)
يقول تعالى آمرا عباده بالمبادرة إلى الاستقامة في طاعته والمبادرة إلى الخيرات (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ) أي يوم القيامة إذا راد كونه فلا راد له (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) أي يتفرقون ، ففريق في الجنة وفريق في السعير ، ولهذا قال تعالى : (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ) أي يجازيهم مجازاة الفضل ، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما يشاء الله (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) ومع هذا هو العادل فيهم الذي لا يجور.
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٤٦) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا
__________________
(١) أخرجه البخاري في الرقاق باب ٤٢ ، ومسلم في الجنائز باب ٦١.
(٢) المسند ٢ / ٢٩٦.