من وعثاء تلك المرابطة في بيت أم سلمة رضي الله عنها ، إذ تبدى له جبريل عليه الصلاة والسلام معتجرا بعمامة من إستبرق على بغلة عليها قطيفة من ديباج ، فقال : أوضعت السلاح يا رسول الله؟ قال صلىاللهعليهوسلم «نعم» قال لكن الملائكة لم تضع أسلحتها ، وهذا الآن رجوعي من طلب القوم.
ثم قال : إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تنهض إلى بني قريظة ، وفي رواية فقال له : عذيرك من مقاتل أوضعتم السلاح؟ قال «نعم» قال لكنا لم نضع أسلحتنا بعد انهض إلى هؤلاء ، قالصلىاللهعليهوسلم «أين؟» قال : بني قريظة ، فإن الله تعالى أمرني أن أزلزل عليهم ، فنهض رسول اللهصلىاللهعليهوسلم من فوره ، وأمر الناس بالمسير إلى بني قريظة ، وكانت على أميال من المدينة ، وذلك بعد صلاة الظهر ، وقال صلىاللهعليهوسلم «لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة» فسار الناس فأدركتهم الصلاة في الطريق ، فصلى بعضهم في الطريق وقالوا : لم يرد منا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، إلا تعجيل المسير.
وقال آخرون : لا نصليها إلا في بني قريظة ، فلم يعنف واحدا من الفريقين ، وتبعهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقد استخلف على المدينة ابن أم مكتوم رضي الله عنه ، وأعطى الراية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ثم نازلهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وحاصرهم خمسا وعشرين ليلة ، فلما طال عليه الحال ، نزلوا على حكم سعد بن معاذ سيد الأوس رضي الله عنه ، لأنهم كانوا حلفاءهم في الجاهلية ، واعتقدوا أنه يحسن إليهم في ذلك ، كما فعل عبد الله بن أبي ابن سلول في مواليه بني قينقاع ، حين استطلقهم من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فظن هؤلاء أن سعدا سيفعل فيهم كما فعل ابن أبي في أولئك ، ولم يعلموا أن سعدا رضي الله عنه كان قد أصابه سهم في أكحله أيام الخندق ، فكواه رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أكحله وأنزله في قبة المسجد ليعوده من قريب.
وقال سعد رضي الله عنه فيما دعا به ، اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها ، وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فأفجرها ، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة ، فاستجاب الله تعالى دعاءه ، وقدر عليهم أن نزلوا على حكمه باختيارهم طلبا من تلقاء أنفسهم فعند ذلك استدعاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم من المدينة ليحكم فيهم ، فلما أقبل وهو راكب على حمار قد وطئوا له عليه ، جعل الأوس يلوذون به ويقولون : يا سعد إنهم مواليك فأحسن فيهم ، ويرققونه عليهم ويعطفونه وهو ساكت لا يرد عليهم فلما أكثروا عليه قال رضي الله عنه : لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم. فعرفوا أنه غير مستبقيهم.
فلما دنا من الخيمة التي فيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «قوموا إلى سيدكم» فقام إليه المسلمون ، فأنزلوه إعظاما وإكراما واحتراما له في محل ولايته ليكون أنفذ لحكمه فيهم ، فلما جلس قال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إن هؤلاء ـ وأشار إليهم ـ قد نزلوا على حكمك ، فاحكم فيهم بما شئت» فقال رضي الله عنه : وحكمي نافذ عليهم؟ قال صلىاللهعليهوسلم «نعم». قال وعلى من في هذه الخيمة؟ قال «نعم». قال وعلى من هاهنا وأشار إلى الجانب الذي فيه رسول الله ، وهو معرض