الأدعياء ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان قبل النبوة قد تبنى زيد بن حارثة رضي الله عنه ، فكان يقول له زيد بن محمد ، فلما قطع الله تعالى هذه النسبة بقوله تعالى : (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ـ إلى قوله تعالى ـ ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) [الأحزاب : ٤ ـ ٥] ثم زاد ذلك بيانا وتأكيدا بوقوع تزويج رسول الله صلىاللهعليهوسلم بزينب بنت جحش رضي الله عنها ، لما طلقها زيد بن حارثة رضي الله عنه ، ولهذا قال تعالى في آية التحريم (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) [النساء : ٢٣] ليحترز من الابن الدعي ، فإن ذلك كان كثيرا فيهم. وقوله تعالى : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) أي وكان هذا الأمر الذي وقع قد قدره الله تعالى وحتمه وهو كائن لا محالة ، كانت زينب رضي الله عنها في علم الله ستصير من أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم.
(ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (٣٨)
يقول تعالى : (ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ) أي فيما أحل له وأمره به من تزويج زينب رضي الله عنها التي طلقها دعيه زيد بن حارثة رضي الله عنه. وقوله تعالى : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) أي هذا حكم الله تعالى في الأنبياء قبله لم يكن ليأمرهم بشيء وعليهم في ذلك حرج ، وهذا رد على من توهم من المنافقين نقصا في تزويجه امرأة زيد مولاه ودعيه الذي كان قد تبناه (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) أي وكان أمره الذي يقدره كائنا لا محالة وواقعا لا محيد عنه ولا معدل ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً(٣٩) ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٤٠)
يمدح تبارك وتعالى (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ) أي إلى خلقه ويؤدونها بأماناتها (وَيَخْشَوْنَهُ) أي يخافونه ولا يخافون أحدا سواه ، فلا تمنعهم سطوة أحد عن إبلاغ رسالات الله تعالى (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) أي وكفى بالله ناصرا ومعينا ، وسيد الناس في هذا المقام بل وفي كل مقام محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإنه قام بأداء الرسالة وإبلاغها إلى أهل المشارق والمغارب إلى جميع أنواع بني آدم ، وأظهر الله تعالى كلمته ودينه وشرعه على جميع الأديان والشرائع ، فإنه قد كان النبي قبله إنما يبعث إلى قومه خاصة ، وأما هو صلىاللهعليهوسلم فإنه بعث إلى جميع الخلق عربهم وعجمهم (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف : ١٥٨] ثم ورث مقام البلاغ عنه أمته من بعده ، فكان أعلى من قام بها بعده أصحابه رضي الله عنهم ، بلغوا عنه كما أمرهم به في جميع أقواله وأفعاله وأحواله ، في ليله ونهاره ، وحضره وسفره ، وسره وعلانيته ، فرضي الله عنهم وأرضاهم ثم ورثه كل خلف عن سلفهم إلى زماننا هذا ، فبنورهم يقتدي المهتدون ، وعلى منهجهم يسلك الموفقون ، فنسأل الله الكريم المنان أن يجعلنا من خلفهم.