لا يمكن دفعه ، كما قال الإمام أحمد (١) : حدثنا يزيد ، حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة قالت : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقسم بين نسائه فيعدل ، ثم يقول : «اللهم هذا فعلي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» (٢) ورواه أهل السنن الأربعة من حديث حماد بن سلمة ، وزاد أبو داود بعد قوله «فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» يعني القلب. وإسناده صحيح ، ورجاله كلهم ثقات ، ولهذا عقب ذلك بقوله تعالى : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) أي بضمائر السرائر (حَلِيماً) أي يحلم ويغفر.
(لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) (٥٢)
ذكر غير واحد من العلماء كابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وابن زيد وابن جرير وغيرهم ، أن هذه الآية نزلت مجازاة لأزواج النبي صلىاللهعليهوسلم ورضا عنهن على حسن صنيعهن في اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة لما خيرهن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما تقدم في الآية ، فلما اخترن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان جزاؤهن أن الله تعالى قصره عليهن ، وحرم عليه أن يتزوج بغيرهن أو يستبدل بهن أزواجا غيرهن ، ولو أعجبه حسنهن إلا الإماء والسراري فلا حرج عليه فيهن ، ثم إنه تعالى رفع عنه الحرج في ذلك ونسخ حكم هذه الآية ، وأباح له التزوج ، ولكن لم يقع منه بعد ذلك تزوج لتكون المنة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم عليهن.
قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما مات رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى أحل الله له النساء (٣) ، ورواه أيضا من حديث ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة ، ورواه الترمذي والنسائي في سننيهما ، وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة ، حدثني عمر بن أبي بكر ، حدثني المغيرة بن عبد الرحمن الخزامي عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عبد الله بن وهب بن زمعة عن أم سلمة أنها قالت : لم يمت رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم ، وذلك قول الله تعالى : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَ) الآية فجعلت هذه ناسخة للتي بعدها في التلاوة كآيتي عدة الوفاة في البقرة ، الأولى ناسخة للتي بعدها ، والله أعلم.
وقال آخرون : بل معنى الآية (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) أي من بعد ما ذكرنا لك من
__________________
(١) المسند ٦ / ١٤٤.
(٢) أخرجه أبو داود في النكاح باب ٣٨ ، والترمذي في النكاح باب ٤١ ، والنسائي في النساء باب ٢ ، وابن ماجة في النكاح باب ٤٧ ، والدارمي في النكاح باب ٢٥.
(٣) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٣٣ ، باب ١٩ ، ولم أجده بهذا اللفظ في مسند أحمد بن حنبل.