قلت : وقد رواه البخاري في الأدب عن محمد بن عبيد الله : حدثنا ابن أبي حازم عن كثير بن زيد ، عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه ، ورويناه من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به. قال الترمذي : وفي الباب عن جابر وأنس. قلت : وابن عباس وكعب بن عجرة ، وقد ذكرت طرق هذا الحديث في أول كتاب الصيام عند قوله : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) وهذا الحديث والذي قبله دليل على وجوب الصلاة على النبيصلىاللهعليهوسلم كما ذكر ، وهو مذهب طائفة من العلماء منهم الطحاوي والحليمي ، ويتقوى بالحديث الآخر الذي رواه ابن ماجة (١) : حدثنا جبارة بن المغلس ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من نسي الصلاة علي أخطأ طريق الجنة» جبارة ضعيف ، ولكن رواه إسماعيل القاضي من غير وجه عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر قال : قال رسول الله «من نسي الصلاة علي أخطأ طريق الجنة» وهذا مرسل يتقوى بالذي قبله ، والله علم.
وذهب آخرون إلى أنه تجب الصلاة عليه في المجلس مرة واحدة ، ثم لا تجب في بقية ذلك المجلس ، بل تستحب ، نقله الترمذي عن بعضهم ، ويتأيد بالحديث الذي رواه الترمذي (٢) : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة يوم القيامة ، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم» تفرد به الترمذي من هذا الوجه ، ورواه الإمام أحمد (٣) عن حجاج ويزيد بن هارون كلاهما عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة ، عن أبي هريرة مرفوعا مثله ، ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن.
وقد روي عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم من غير وجه. وقد رواه إسماعيل القاضي من حديث شعبة عن سليمان عن ذكوان عن أبي سعيد قال «ما من قوم يقعدون ثم يقومون ولا يصلون على النبي صلىاللهعليهوسلم إلا كان عليهم يوم القيامة حسرة وإن دخلوا الجنة لما يرون من الثواب». وحكي عن بعضهم أنه إنما تجب الصلاة عليه ـ عليه الصلاة والسلام ـ في العمر مرة واحدة امتثالا لأمر الآية. ثم هي مستحبة في كل حال ، وهذا هو الذي نصره القاضي عياض بعد ما حكى الإجماع على وجوب الصلاة عليه صلىاللهعليهوسلم في الجملة. قال وقد حكى الطبراني أن محمل الآية على الندب وادعى فيه الإجماع قال ولعله فيما زاد على المرة والواجب فيه مرة كالشهادة له بالنبوة ، وما زاد على ذلك فمندوب ومرغب فيه من سنن الإسلام وشعار أهله. [قلت] وهذا قول غريب ، فإنه قد ورد الأمر بالصلاة عليه في أوقات كثيرة ، فمنها واجب ومنها مستحب على ما نبينه.
__________________
(١) كتاب الدعوات باب الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم.
(٢) كتاب الدعوات باب ١٠٠.
(٣) المسند ٢ / ٤٥٣.