(وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطاء الخراساني والحسن وقتادة والسدي : وهو الأراك وأكلة البرير (وَأَثْلٍ) قال العوفي عن ابن عباس : هو الطرفاء. وقال غيره هو شجر يشبه الطرفاء ، وقيل هو السمر ، والله أعلم.
وقوله : (وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) لما كان أجود هذه الأشجار المبدل بها هو السدر قال: (وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) فهذا الذي صار أمر تينك الجنتين إليه بعد الثمار النضيجة ، والمناظر الحسنة ، والظلال العميقة ، والأنهار الجارية ، تبدلت إلى شجر الأراك والطرفاء والسدر ذي الشوك الكثير والتمر القليل ، وذلك بسبب كفرهم وشركهم بالله وتكذيبهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل ، ولهذا قال تعالى : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) أي عاقبناهم بكفرهم. قال مجاهد : ولا يعاقب إلا الكفور. وقال الحسن البصري : صدق الله العظيم لا يعاقب بمثل فعله إلا الكفور. وقال طاوس : لا يناقش إلا الكفور. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أبو عمر بن النحاس الرملي ، حدثنا حجاج بن محمد ، حدثنا أبو البيداء عن هشام بن صالح التغلبي عن ابن خيرة ، وكان من أصحاب علي رضي الله عنه ، قال : جزاء المعصية الوهن في العبادة ، والضيق في المعيشة ، والتعسر في اللذة ، قيل : وما التعسر في اللذة؟ قال : لا يصادف لذة حلال إلا جاءه من ينغصه إياها.
(وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (١٩)
يذكر تعالى ما كانوا فيه من النعمة والغبطة والعيش الهني الرغيد ، والبلاد الرخية ، والأماكن الآمنة ، والقرى المتواصلة المتقاربة بعضها من بعض مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها بحيث إن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل زاد ولا ماء ، بل حيث نزل وجد ماء وثمرا ، ويقيل في قرية ويبيت في أخرى بمقدار ما يحتاجون إليه في سيرهم ، ولهذا قال تعالى : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها) قال وهب بن منبه : هي قرى بصنعاء ، وكذا قال أبو مالك ، وقال مجاهد والحسن وسعيد بن جبير ومالك عن زيد بن أسلم وقتادة والضحاك والسدي وابن زيد وغيرهم : يعني قرى الشام ، يعنون أنهم كانوا يسيرون من اليمن إلى اليمن إلى الشام في قرى ظاهرة متواصلة.
وقال العوفي عن ابن عباس : القرى التي باركنا فيها بيت المقدس ، وقال العوفي عنه أيضا : هي قرى عربية بين المدينة والشام (قُرىً ظاهِرَةً) أي بينة واضحة يعرفها المسافرون يقيلون في واحدة ويبيتون في أخرى ، ولهذا قال تعالى : (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) أي جعلناها بحسب ما يحتاج المسافرون إليه (سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) أي الأمن حاصل لهم في سيرهم ليلا