إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣) وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) (٤٥)
يخبر الله عن الكفار أنهم يستحقون منه العقوبة والأليم من العذاب ، لأنهم كانوا إذا تتلى عليهم آياته بينات يسمعونها غضة طرية من لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم (قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ) يعنون أن دين آبائهم هو الحق ، وأن ما جاءهم به الرسول عندهم باطل ، عليهم وعلى آبائهم لعائن الله تعالى : (وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً) يعنون القرآن (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) قال الله تعالى : (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) أي ما أنزل الله على العرب من كتاب قبل القرآن وما أرسل إليهم نبيا قبل محمد صلىاللهعليهوسلم وقد كانوا يودون ذلك ويقولون : لو جاءنا نذير أو أنزل علينا كتاب لكنا أهدى من غيرنا ، فلما منّ الله عليهم بذلك كذبوه وجحدوه وعاندوه.
ثم قال تعالى : (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي من الأمم (وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : أي من القوة في الدنيا. وكذلك قال قتادة والسدي وابن زيد ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) [الأحقاف : ٢٦] (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً) [غافر : ٨٢] أي وما دفع ذلك عنهم عذاب الله ولا رده ، بل دمر الله عليهم لما كذبوا رسله ، ولهذا قال : (فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي فكيف كان عقابي ونكالي وانتصاري لرسلي.
(قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) (٤٦)
يقول تبارك وتعالى : قل يا محمد لهؤلاء الكافرين الزاعمين أنك مجنون (إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) أي إنما آمركم بواحدة وهي (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) أي تقوموا قياما خالصا لله عزوجل من غير هوى ولا عصبية ، فيسأل بعضكم بعضا هل. بمحمد من جنون. فينصح بعضكم بعضا (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) أي ينظر الرجل لنفسه في أمر محمد صلىاللهعليهوسلم ويسأل غيره من الناس عن شأنه إن أشكل عليه ، ويتفكر في ذلك ، ولهذا قال تعالى : (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) هذا معنى ما ذكره مجاهد ومحمد بن كعب والسدي وقتادة وغيرهم ، وهذا هو المراد من الآية.