(وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥) سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) (٣٦)
يقول تبارك وتعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ) أي دلالة لهم على وجود الصانع وقدرته التامة وإحيائه الموتى (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) أي إذا كانت ميتة هامدة لا شيء فيها من النبات ، فإذا أنزل الله تعالى عليها الماء ، اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ، ولهذا قال تعالى : (أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) أي جعلناه رزقا لهم ولأنعامهم (وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ) أي جعلنا فيها أنهارا سارحة في أمكنة يحتاجون إليها ليأكلوا من ثمره ، لما امتن على خلقه بإيجاد الزروع لهم ، عطف بذكر الثمار وتنوعها وأصنافها.
وقوله جل وعلا : (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) أي وما ذاك كله إلا من رحمة الله تعالى بهم لا بسعيهم ولا كدهم ولا بحولهم وقوتهم ، قاله ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة : ولهذا قال تعالى : (أَفَلا يَشْكُرُونَ) أي فهلا يشكرونه على ما أنعم به عليهم من هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى ، واختار ابن جرير ـ بل جزم به ، ولم يحك غيره إلا احتمالا ـ أن (ما) في قوله تعالى : (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) بمعنى الذي تقديره ليأكلوا من ثمره ومما عملته أيديهم أي غرسوه ونصبوه ، قال : وهي كذلك في قراءة ابن مسعود رضي الله عنه (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ) ، ثم قال تبارك وتعالى : (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) أي من زروع وثمار ونبات (وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ) فجعلهم ذكرا وأنثى (وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) أي من مخلوقات شتى لا يعرفونها ، كما قال جلت عظمته : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الذاريات : ٤٩]
(وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨) وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (٤٠)
يقول تعالى ومن الدلالة لهم على قدرته تبارك وتعالى العظيمة ، خلق الليل والنهار هذا بظلامه وهذا بضيائه ، وجعلهما يتعاقبان يجيء هذا فيذهب هذا ، ويذهب هذا فيجيء هذا ، كما قال تعالى : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) [الأعراف : ٥٤] ولهذا قال عزوجل هاهنا : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) أي نصرمه منه ، فيذهب فيقبل الليل ، ولهذا قال تبارك وتعالى : (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) كما جاء في الحديث «إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت