[الصافات : ٢٢ ـ ٢٣].
وقوله تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) هذا تقريع من الله تعالى للكفرة من بني آدم ، الذين أطاعوا الشيطان وهو عدو لهم مبين ، وعصوا الرحمن وهو الذي خلقهم ورزقهم ، ولهذا قال تعالى : (وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) أي قد أمرتكم في دار الدنيا بعصيان الشيطان ، وأمرتكم بعبادتي ، وهذا هو الصراط المستقيم ، فسلكتم غير ذلك واتبعتم الشيطان فيما أمركم به ولهذا قال عزوجل : (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً) يقال : جبلا بكسر الجيم وتشديد اللام ، ويقال جبلا بضم الجيم والباء وتخفيف اللام ، ومنهم من يسكن الباء ، والمراد بذلك الخلق الكثير ، قاله مجاهد وقتادة والسدي وسفيان بن عيينة.
وقوله تعالى : (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) أي أفما كان لكم عقل في مخالفة ربكم فيما أمركم به من عبادته وحده لا شريك له ، وعدو لكم إلى اتباع الشيطان. قال ابن جريج (١) : حدثنا أبو كريب ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن إسماعيل بن رافع عمن حدثه عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال إذا كان يوم القيامة ، أمر الله تعالى جهنم ، فيخرج منها عنق ساطع مظلم يقول (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) فيتميز الناس ويجثون ، وهي التي يقول الله عزوجل : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجاثية : ٢٨].
(هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ) (٦٧)
يقال للكفرة من بني آدم يوم القيامة وقد برزت الجحيم لهم تقريعا وتوبيخا (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) أي هذه التي حذرتكم الرسل ، فكذبتموهم (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) كما قال تعالى : (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) [الطور : ١٣ ـ ١٥]. وقوله تعالى : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) هذا حال الكفار والمنافقين يوم القيامة حين ينكرون ما اجترحوه في الدنيا ، ويحلفون ما فعلوه ، فيختم الله على أفواههم ويستنطق
__________________
(١) تفسير الطبري ١٠ / ٤٥٦.