بالآخر ، فتتولد النار من بينهما ، كالزناد سواء ، وروي هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما. وفي المثل : لكل شجر نار واستمجد المرخ والعفار. وقال الحكماء : في كل شجر نار إلا الغاب.
(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٨٣)
يقول تعالى مخبرا منبها على قدرته العظيمة في خلق السموات السبع بما فيها من الكواكب السيارة والثوابت والأرضين السبع ، وما فيه من جبال ورمال وبحار وقفار ، وما بين ذلك ، ومرشدا إلى الاستدلال على إعادة الأجساد بخلق هذه الأشياء العظيمة ، كقوله تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [غافر : ٥٧] وقال عزوجل هاهنا : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) أي مثل البشر ، فيعيدهم كما بدأهم ، قاله ابن جرير.
وهذه الآية الكريمة كقوله عزوجل : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأحقاف : ٣٣] وقال تبارك وتعالى هاهنا (بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أي إنما يأمر بالشيء أمرا واحدا لا يحتاج إلى تكرار أو تأكيد :
إذا ما أراد الله أمرا فإنما |
|
(يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) |
وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا محمد بن نمير ، حدثنا موسى بن المسيب عن شهر عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله تعالى يقول : يا عبادي كلكم مذنب إلا من عافيت ، فاستغفروني أغفر لكم ، وكلكم فقير إلا من أغنيت ، إني جواد ماجد واجد أفعل ما أشاء ، عطائي كلام وعذابي كلام ، إذا أردت شيئا فإنما أقول له كن فيكون».
وقوله تعالى : (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي تنزيه وتقديس وتبرئة من السوء للحي القيوم الذي بيده مقاليد السموات والأرض ، وإليه يرجع الأمر كله ، وله الخلق والأمر وإليه يرجع العباد يوم المعاد ، فيجازي كل عامل بعمله وهو العادل المنعم المتفضل. ومعنى قوله سبحانه وتعالى : (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) [المؤمنون : ٨٨] كقوله عزوجل (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) وكقوله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) [الملك : ١] فالملك والملكوت واحد في المعنى كرحمة ورحموت ، ورهبة
__________________
(١) المسند ٥ / ١٧٧.