البرد. وأما من جعل الجبال هاهنا كناية عن السحاب ، فإن من الثانية عند هذا لابتداء الغاية أيضا ، لكنها بدل من الأولى ، والله أعلم.
وقوله تعالى : (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ) يحتمل أن يكون المراد بقوله (فَيُصِيبُ بِهِ) أي بما ينزل من السماء من نوعي المطر والبرد ، فيكون قوله (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ) رحمة لهم (وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ) أي يؤخر عنهم الغيث ، ويحتمل أن يكون المراد بقوله (فَيُصِيبُ بِهِ) أي بالبرد نقمة على من يشاء لما فيه من نثر ثمارهم وإتلاف زروعهم وأشجارهم ، ويصرفه عمن يشاء رحمة بهم.
وقوله (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) أي يكاد ضوء برقه من شدته يخطف الأبصار إذا اتبعته وتراءته. وقوله تعالى : (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) أي يتصرف فيهما فيأخذ من طول هذا في قصر هذا حتى يعتدلا ، ثم يأخذ من هذا في هذا فيطول الذي كان قصيرا ويقصر الذي كان طويلا ، والله هو المتصرف في ذلك بأمره وقهره وعزته وعلمه (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) أي لدليلا على عظمته تعالى ، كما قال تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) [آل عمران : ١٩٠] وما بعدها من الآيات الكريمات.
(وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤٥)
يذكر تعالى قدرته التامة وسلطانه العظيم في خلقه أنواع المخلوقات على اختلاف أشكالها وألوانها وحركاتها وسكناتها من ماء واحد ، (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) كالحية وما شاكلها ، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ) كالإنسان والطير (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) كالأنعام وسائر الحيوانات ، ولهذا قال (يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ) أي بقدرته لأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، ولهذا قال (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
(لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٤٦)
يقرر تعالى أنه أنزل في هذا القرآن من الحكم والحكم والأمثال البينة المحكمة كثيرا جدا ، وأنه يرشد إلى تفهمها وتعقلها أولي الألباب والبصائر والنهى ، ولهذا قال (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
(وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠) إِنَّما كانَ قَوْلَ