بعيد من الهدى ثم قال جل جلاله : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) أي سنظهر لهم دلالاتنا وحججنا على كون القرآن حقا منزلا من عند الله على رسوله صلىاللهعليهوسلم بدلائل خارجية (فِي الْآفاقِ) من الفتوحات وظهور الإسلام على الأقاليم وسائر الأديان قال مجاهد والحسن والسدي : ودلائل في أنفسهم قالوا : وقعة بدر وفتح مكة ونحو ذلك من الوقائع التي حلت بهم نصر الله فيها محمدا صلىاللهعليهوسلم وصحبه وخذل فيها الباطل وحزبه ويحتمل أن يكون المراد من ذلك ما الإنسان مركب منه وفيه وعليه من المواد والأخلاط والهيئات العجيبة كما هو مبسوط في علم التشريح الدال على حكمة الصانع تبارك وتعالى وكذلك ما هو مجبول عليه من الأخلاق المتباينة من حسن وقبيح وغير ذلك وما هو متصرف فيه تحت الأقدار التي لا يقدر بحوله وقوته وحيله وحذره أن يجوزها ولا يتعداها كما أنشده ابن أبي الدنيا في كتابه التفكر والاعتبار عن شيخه أبي جعفر القرشي حيث قال وأحسن المقال :
وإذا نظرت تريد معتبرا |
|
فانظر إليك ففيك معتبر |
أنت الذي تمسي وتصبح في |
|
الدنيا وكلّ أموره عبر |
أنت المصرف كان في صغر |
|
ثم استقلّ بشخصك الكبر |
أنت الذي تنعاه خلقته |
|
ينعاه منه الشّعر والبشر |
أنت الذي تعطي وتسلب لا |
|
ينجيه من أن يسلب الحذر |
أنت الذي لا شيء منه له |
|
وأحقّ منه بماله القدر |
وقوله تعالى : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي كفى بالله شهيدا على أفعال عباده وأقوالهم وهو يشهد أن محمدا صلىاللهعليهوسلم صادق فيما أخبر به عنه كما قال : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) [النساء : ١٦٦] الآية. وقوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ) أي في شك من قيام الساعة ولهذا لا يتفكرون فيه ولا يعلمون له ولا يحذرون منه بل هو عندهم هدر لا يعبئون به وهو كائن لا محالة وواقع لا ريب فيه قال ابن أبي الدنيا : حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا خلف بن تميم حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سعيد الأنصاري قال : إن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد أيها الناس فإني لم أجمعكم لأمر أحدثه فيكم ، ولكن فكرت في هذا الأمر الذي أنتم إليه صائرون فعلمت أن المصدق بهذا الأمر أحمق والمكذب به هالك ، ثم نزل.
ومعنى قوله رضي الله عنه إن المصدق به أحمق أي لأنه لا يعمل له عمل مثله ولا يحذر منه ولا يخاف من هوله وهو مع ذلك مصدق به موقن بوقوعه وهو مع ذلك يتمادى في لعبه وغفلته وشهواته وذنوبه فهو أحمق بهذا الاعتبار والأحمق في اللغة ضعيف العقل ، وقوله والمكذب به هالك هذا واضح ، والله أعلم. ثم قال تعالى مقررا أنه على كل شيء قدير وبكل شيء محيط