اجتماعكم في النار واشتراككم في العذاب الأليم. وقوله جلت عظمته : (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي ليس ذلك إليك إنما عليك البلاغ وليس عليك هداهم ، ولكن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء وهو الحكم العدل في ذلك ثم قال تعالى : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) أي لا بد أن ننتقم منهم ونعاقبهم ولو ذهبت أنت (أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) أي نحن قادرون على هذا وعلى هذا ولم يقبض الله تعالى رسوله صلىاللهعليهوسلم حتى أقر عينه من أعدائه وحكمه في نواصيهم ، وملكه ما تضمنته صياصيهم! هذا معنى قول السدي واختاره ابن جرير.
وقال ابن جرير (١) : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن ثور عن معمر قال : تلا قتادة (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) فقال : ذهب النبي صلىاللهعليهوسلم وبقيت النقمة ، ولن يري الله تبارك وتعالى نبيه صلىاللهعليهوسلم في أمته شيئا يكرهه حتى مضى ، ولم يكن نبي قط إلا وقد رأى العقوبة في أمته إلا نبيكم صلىاللهعليهوسلم. قال : وذكر لنا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أري ما يصيب أمته من بعده فما رئي ضاحكا منبسطا حتى قبضه الله عزوجل ، وذكر من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة نحوه ، ثم روى ابن جرير عن الحسن نحو ذلك أيضا ، وفي الحديث «النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون» (٢) ثم قال عزوجل (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي خذ بالقرآن المنزل على قلبك ، فإنه هو الحق وما يهدي إليه هو الحق المفضي إلى صراط الله المستقيم الموصل إلى جنات النعيم والخير الدائم المقيم.
ثم قال جل جلاله : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) قيل معناه لشرف لك ولقومك ، قاله ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد ، واختاره ابن جرير (٣) ولم يحك سواه وأورد البغوي هاهنا حديث الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن معاوية رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن هذا الأمر في قريش لا ينازعهم فيه أحد إلا أكبه الله تعالى على وجهه ما أقاموا الدين» (٤) رواه البخاري ومعناه أنه شرف لهم من حيث إنه أنزل بلغتهم ، فهم أفهم الناس له فينبغي أن يكونوا أقوم الناس به وأعملهم بمقتضاه ، وهكذا كان خيارهم وصفوتهم من الخلص من المهاجرين السابقين الأولين ومن شابههم وتابعهم ، وقيل معناه (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) أي لتذكير لك ولقومك ، وتخصيصهم بالذكر لا ينفي من سواهم ، كقوله تعالى : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [الأنبياء : ١٠] وكقوله تبارك
__________________
(١) تفسير الطبري ١١ / ١٩٠.
(٢) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث ٢٠٧ ، وأحمد في المسند ٤ / ٣٩٨ ، ٣٩٩.
(٣) تفسير الطبري ١١ / ١٩١.
(٤) أخرجه البخاري في المناقب باب ٢ ، والأحكام باب ٢ ، وأحمد في المسند ٤ / ٩٤.