استخلف أبو بكر عمر رضي الله عنهما ، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما : أهرقلية؟ إن أبا بكر رضي الله عنه والله ما جعلها في أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته ، ولا جعلها معاوية في ولده إلا رحمة وكرامة لولده ، فقال مروان : ألست الذي قال لوالديه أف لكما؟ فقال عبد الرحمن رضي الله عنه : ألست ابن اللعين الذين لعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أباك؟ قال وسمعتهما عائشة رضي الله عنها فقالت : يا مروان أنت القائل لعبد الرحمن رضي الله عنه كذا وكذا؟ كذبت ما فيه نزلت ولكن نزلت في فلان ابن فلان ، ثم انتحب مروان ثم نزل عن المنبر ، حتى أتى باب حجرتها ، فجعل يكلمها حتى انصرف.
وقد رواه البخاري بإسناد آخر ولفظ آخر فقال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك قال : كان مروان على الحجاز ، استعمله معاوية بن أبي سفيان ، رضي الله عنهما ، فخطب وجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما شيئا ، فقال : خذوه ، فدخل بيت عائشة رضي الله عنها فلم يقدروا عليه ، فقال مروان : إن هذا الذي أنزل فيه (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) فقالت عائشة رضي الله عنها من وراء الحجاب : ما أنزل الله عزوجل فينا شيئا من القرآن إلا أن الله تعالى أنزل عذري (١).
[طريق أخرى] قال النسائي : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أمية بن خالد ، حدثنا شعبة عن محمد بن زياد قال : لما بايع معاوية رضي الله عنه لابنه ، قال مروان : سنة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. فقال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما : سنة هرقل وقيصر. فقال مروان : هذا الذي أنزل الله تعالى فيه (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) الآية. فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها فقالت : كذب مروان والله ما هو به ، ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت فيه لسميته ، ولكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه فمروان فضض من لعنة الله.
وقوله : (أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ) أي أبعث (وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) أي قد مضى الناس فلم يرجع منهم مخبر (وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ) أي يسألان الله فيه أن يهديه ويقولان لولدهما (وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) قال الله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) أي دخلوا في زمرة أشباههم وأضرابهم ، من الكافرين الخاسرين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
وقوله : (أُولئِكَ) بعد قوله : (وَالَّذِي قالَ) دليل على ما ذكرناه من أنه جنس يعم كل من كان كذلك. وقال الحسن وقتادة : هو الكافر الفاجر العاق لوالديه المكذب بالبعث. وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة سهل بن داود من طريق هشام بن عمار ، حدثنا حماد بن
__________________
(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٢٤ باب ٨.