حين بعثه رسول الله صلىاللهعليهوسلم على صدقات بني المصطلق ، وقد روي ذلك من طرق ومن أحسنها ما رواه الإمام أحمد في مسنده من رواية ملك بني المصطلق ، وهو الحارث بن ضرار والد جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها.
قال الإمام أحمد (١) : حدثنا محمد بن سابق ، حدثنا عيسى بن دينار ، حدثني أبي أنه سمع الحارث بن ضرار الخزاعي رضي الله عنه يقول : قدمت على رسول الله فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به. ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت يا رسول الله أرجع إليهم فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لي جمعت زكاته. ويرسل إلي يا رسول الله رسولا لإبّان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة.
فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبّان الذي أراد رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يبعث إليه احتبس عليه الرسول فلم يأته وظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله تعالى ورسوله ، فدعا بسروات قومه (٢) فقال لهم إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان وقت لي وقتا يرسل إلي رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة وليس من رسول الله صلىاللهعليهوسلم الخلف ، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة كانت ، فانطلقوا بنا نأتي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة ، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق أي خاف ، فرجع حتى أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال يا رسول الله إن الحارث قد منعني الزكاة وأراد قتلي ، فغضب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فضرب البعث إلى الحارث رضي الله عنه وأتى الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث فقالوا : هذا الحارث ، فلما غشيهم قال لهم : إلى من بعثتم؟ قالوا : إليك. قال : ولم؟ قالوا : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله. قال رضي الله عنه : لا والذي بعث محمدا بالحق ما رأيته بتة ولا أتاني.
فلما دخل الحارث على رسول الله قال : «منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟» قال : لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، خشيت أن يكون كانت سخطة من الله تعالى ورسوله. قال فنزلت الحجرات (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) ـ إلى قوله ـ (حَكِيمٌ).
ورواه ابن أبي حاتم عن المنذر بن شاذان التمار عن محمد بن سابق به. ورواه الطبراني من حديث محمد بن سابق به ، غير أنه سماه الحارث بن سرار والصواب أنه الحارث بن ضرار كما تقدم.
__________________
(١) المسند ٤ / ٢٧٩.
(٢) سروات القوم : أشرافهم.