ابن حميد حدثنا مهران عن سفيان عن أبي عمر عن مسلم البطين ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : (آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) قال : من الفرائض (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) قبل الفرائض يعملون ، وهذا الإسناد ضعيف ولا يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقد رواه عثمان بن أبي شيبة عن معاوية بن هشام عن سفيان ، عن أبي عمر البزار عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكره ، والذي فسر به ابن جرير فيه نظر ، لأن قوله تبارك وتعالى : (آخِذِينَ) حال من قوله في (جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) فالمتقون في حال كونهم في الجنات والعيون آخذين ما آتاهم ربهم ، أي من النعيم والسرور والغبطة.
وقوله عزوجل : (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ) أي في الدار الدنيا (مُحْسِنِينَ) كقوله جل جلاله : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) [الحاقة : ٢٤] ثم إنه تعالى بين إحسانهم في العمل فقال جل وعلا : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) اختلف المفسرون في ذلك على قولين : [أحدهما] أن (ما) نافية تقديره كانوا قليلا من الليل لا يهجعونه ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : لم تكن تمضي عليهم ليلة إلا يأخذون منها ولو شيئا ، وقال قتادة عن مطرف بن عبد الله : قل ليلة لا تأتي عليهم إلا يصلون فيها لله عزوجل ، إما من أولها وإما من أوسطها. وقال مجاهد : قل ما يرقدون ليلة حتى الصباح لا يتهجدون ، وكذا قال قتادة ، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه وأبو العالية : كانوا يصلون بين المغرب والعشاء. وقال أبو جعفر الباقر كانوا لا ينامون حتى يصلوا العتمة ، [والقول الثاني] أن (ما) مصدرية تقديره كانوا قليلا من الليل هجوعهم ونومهم ، واختاره ابن جرير.
وقال الحسن البصري (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) كابدوا قيام الليل فلا ينامون من الليل إلا أقله ، ونشطوا فمدوا إلى السحر حتى كان الاستغفار بسحر ، وقال قتادة : قال الأحنف بن قيس (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) كانوا لا ينامون إلا قليلا ثم يقول : لست من أهل هذه الآية. وقال الحسن البصري : كان الأحنف بن قيس يقول عرضت عملي على عمل أهل الجنة ، فإذا قوم قد باينونا بونا بعيدا ، إذا قوم لا نبلغ أعمالهم كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ، وعرضت عملي على عمل أهل النار ، فإذا قوم لا خير فيهم يكذبون بكتاب الله وبرسل الله ، مكذبون بالبعث بعد الموت ، فقد وجدت من خيرنا منزلة قوما خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : قال رجل من بني تميم لأبي : يا أبا أسامة صفة لا أجدها فينا ذكر الله تعالى قوما فقال : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) ونحن والله قليلا من الليل ما نقوم ، فقال له أبي رضي الله عنه : طوبى لمن رقد إذا نعس واتقى الله إذا استيقظ. وقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه : لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة انجفل الناس إليه ، فكنت فيمن انجفل ، فلما رأيت وجهه صلىاللهعليهوسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه رجل كذاب ، فكان أول