الإسلام سهم ، يعني لا سهم له في بيت المال ولا كسب له ولا حرفة يتقوت منها ، وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : هو المحارف الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه ، وقال الضحاك : هو الذي لا يكون له مال إلا ذهب ، قضى الله تعالى له ذلك. وقال أبو قلابة : جاء سيل باليمامة فذهب بمال رجل ، فقال رجل من الصحابة رضي الله عنهم : هذا المحروم وقال ابن عباس رضي الله عنهما أيضا وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي ونافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما وعطاء بن أبي رباح : المحروم المحارف. وقال قتادة والزهري : المحروم الذي لا يسأل الناس شيئا.
قال الزهري وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه» (١) وهذا الحديث قد أسنده الشيخان في صحيحيهما من وجه آخر.
وقال سعيد بن جبير : هو الذي يجيء وقد قسم المغنم فيرضخ له. وقال محمد بن إسحاق : حدثني بعض أصحابنا قال : كنا مع عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في طريق مكة ، فجاء كلب ، فانتزع عمر رضي الله عنه كتف شاة فرمى بها إليه وقال : يقولون إنه المحروم ، وقال الشعبي : أعياني أن أعلم ما المحروم ، واختار ابن جرير (٢) أن المحروم الذي لا مال له بأي سبب كان وقد ذهب ماله ، سواء كان لا يقدر على الكسب أو قد هلك ماله أو نحوه بآفة أو نحوها. وقال الثوري عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث سرية فغنموا ، فجاء قوم لم يشهدوا الغنيمة ، فنزلت هذه الآية (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) وهذا يقتضي أن هذه مدنية وليس كذلك بل هي مكية شاملة لما بعدها.
وقوله عزوجل : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) أي فيها من الآيات الدالة على عظمة خالقها وقدرته الباهرة مما قد ذرأ فيها من صنوف النبات والحيوانات والمهاد والجبال والقفار والأنهار والبحار ، واختلاف ألسنة الناس وألوانهم وما جبلوا عليه من الإرادات والقوى ، وما بينهم من التفاوت في العقول والفهوم والحركات والسعادة والشقاوة ، وما في تركيبهم من الحكم في وضع كل عضو من أعضائهم في المحل الذي هو محتاج إليه فيه ، ولهذا قال عزوجل : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) قال قتادة : من تفكر في خلق نفسه عرف أنه إنما خلق ولينت مفاصله للعبادة.
ثم قال تعالى : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) يعني المطر (وَما تُوعَدُونَ) يعني الجنة ، قاله ابن
__________________
(١) أخرجه البخاري في الزكاة باب ٥٣ ، ومسلم في الزكاة حديث ١٠١ ، والنسائي في الزكاة باب ٧٦ ، وأحمد في المسند ١ / ٣٨٤ ، ٤٤٦ ، ٢ / ٣١٦ ، وانظر تفسير الطبري ١١ / ٤٥٨.
(٢) انظر تفسير الطبري ١١ / ٤٥٨.