يعني إذا أدجن وانعقد فيه الحب ، كما قال زيد بن عمرو بن نفيل في قصيدته المشهورة : [الطويل]
وقولا له من ينبت الحب في الثّرى |
|
فيصبح منه البقل يهتزّ رابيا (١) |
ويخرج منه حبه في رؤوسه |
|
ففي ذاك آيات لمن كان واعيا |
وقوله تعالى : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس والجن تكذبان؟ قاله مجاهد وغير واحد ، ويدل عليه السياق بعده ، أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها ، فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به : اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب ، فلك الحمد. وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها ، قال الإمام أحمد (٢) : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ(١٨) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣) وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٢٥)
يذكر تعالى خلقه الإنسان من صلصال كالفخار ، وخلقه الجان من مارج من نار ، وهو طرف لهبها ، قاله الضحاك عن ابن عباس ، وبه يقول عكرمة ومجاهد والحسن وابن زيد ، وقال العوفي عن ابن عباس : (مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) من لهب النار من أحسنها ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : (مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) من خالص النار ، وكذلك قال عكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم.
وقال الإمام أحمد (٣) : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم» (٤) ورواه مسلم عن محمد بن رافع وعبد بن حميد ، كلاهما عن عبد الرزاق به.
__________________
(١) البيتان في سيرة ابن هشام ١ / ٢٢٨.
(٢) المسند ٦ / ٣٤٩.
(٣) المسند ٦ / ١٦٨.
(٤) أخرجه مسلم في الزهد حديث ٦٠.