ذنوبهم بل يقادون إليها ويلقون فيها كما قال تعالى : (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) أي بعلامات تظهر عليهم. وقال الحسن وقتادة : يعرفونهم باسوداد الوجوه وزرقة العيون. قلت : وهذا كما يعرف المؤمنون بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء.
وقوله تعالى : (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) أي يجمع الزبانية ناصيته مع قدميه ويلقونه في النار كذلك ، وقال الأعمش عن ابن عباس : يؤخذ بناصيته وقدميه فيكسر كما يكسر الحطب في التنور ، وقال الضحاك : يجمع بين ناصيته وقدميه في سلسلة من وراء ظهره ، وقال السدي : يجمع بين ناصية الكافر وقدميه فتربط ناصيته بقدمه ويفتل ظهره.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ، حدثنا معاوية بن سلام عن أخيه زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يعني جده ، أخبرني عبد الرحمن ، حدثني رجل من كندة قال : أتيت عائشة فدخلت عليها وبيني وبينها حجاب فقلت : حدثك رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه يأتي عليه ساعة لا يملك فيها لأحد شفاعة؟ قالت : نعم لقد سألته عن هذا وأنا وهو في شعار واحد قال : «نعم حين يوضع الصراط لا أملك لأحد فيها شفاعة حتى أعلم أين يسلك بي ، ويوم تبيض وجوه وتسود وجوه حتى أنظر ماذا يفعل بي ـ أو قال يوحى ـ وعند الجسر حين يستحد ويستحر» فقالت : وما يستحد وما يستحر؟ قال يستحد حتى يكون مثل شفرة السيف ، ويستحر حتى يكون مثل الجمرة ، فأما المؤمن فيجيزه لا يضره ، وأما المنافق فيتعلق حتى إذا بلغ أوسطه خر من قدميه فيهوي بيديه إلى قدميه ـ قالت : فهل رأيت من يسعى حافيا فتأخذه شوكة حتى تكاد تنفذ قدميه ، فإنه كذلك يهوي بيده ورأسه إلى قدميه فتضربه الزبانية بخطاف في ناصيته وقدمه ، فتقذفه في جهنم فيهوي فيها مقدار خمسين عاما ـ قلت : ما ثقل الرجل؟ قالت : ثقل عشر خلفات سمان فيومئذ يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام». هذا حديث غريب جدا ، وفيه ألفاظ منكر رفعها ، وفي الإسناد من لم يسم ومثله لا يحتج به ، والله أعلم.
وقوله تعالى : (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) أي هذه النار التي كنتم تكذبون بوجودها ، ها هي حاضرة تشاهدونها عيانا ، يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا وتصغيرا وتحقيرا. وقوله تعالى : (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) أي تارة يعذبون في الجحيم وتارة يسقون من الحميم ، وهو الشراب الذي هو كالنحاس المذاب يقطع الأمعاء والأحشاء ، وهذه كقوله تعالى: (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) [غافر : ٧١ ـ ٧٢].
وقوله تعالى : (آنٍ) أي حار قد بلغ الغاية في الحرارة لا يستطاع من شدة ذلك ، قال ابن عباس في قوله : (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) أي قد انتهى غليه واشتد حره ، وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك والحسن والثوري والسدي وقال قتادة : قد آن طبخه منذ خلق الله السموات والأرض ، وقال محمد بن كعب القرظي : يؤخذ العبد فيحرك بناصيته في