أندران (١) أندر للقمح وأندر للشعير فبعث الله تعالى سحابتين فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى في أندر الشعير حتى فاض ، هذا لفظ ابن جرير (٢) رحمهالله.
وقال الإمام أحمد (٣) حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بينما أيوب يغتسل عريانا خر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب عليه الصلاة والسلام يحثو في ثوبه فناداه ربه عزوجل يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى قال عليه الصلاة والسلام بلى يا رب ولكن لا غنى بي عن بركتك» انفرد بإخراجه البخاري (٤) من حديث عبد الرزاق به ، ولهذا قال تبارك وتعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) قال الحسن وقتادة أحياهم الله تعالى له بأعيانهم وزادهم مثلهم معهم (٥).
وقوله عزوجل : (رَحْمَةً مِنَّا) أي به على صبره وثباته وإنابته وتواضعه واستكانته (وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) أي لذوي العقول ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج والمخرج والراحة. وقوله جلت عظمته : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ) وذلك أن أيوب عليه الصلاة والسلام كان قد غضب على زوجته ووجد عليها في أمر فعلته قيل باعت ضفيرتها بخبز فأطعمته إياه فلامها على ذلك وحلف إن شفاه الله تعالى ليضربنها مائة جلدة ، وقيل لغير ذلك من الأسباب فلما شفاه الله عزوجل وعافاه ما كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة والرحمة والشفقة والإحسان أن تقابل بالضرب فأفتاه الله عزوجل أن يأخذ ضغثا وهو الشمراخ فيه مائة قضيب فيضربها به ضربة واحدة وقد برت يمينه وخرج من حنثه ووفى بنذره ، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله تعالى وأناب إليه ، ولهذا قال جل وعلا : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) أثنى الله تعالى عليه ومدحه بأنه (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) أي رجاع منيب ، ولهذا قال جل جلاله : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) [الطلاق : ٢ ـ ٣] واستدل كثير من الفقهاء بهذه الآية الكريمة على مسائل في الإيمان وغيرها. وقد أخذوها بمقتضاها والله أعلم بالصواب.
(وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (٤٥) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (٤٦)
__________________
(١) الأندر : بيت يجمع فيه الطعام.
(٢) تفسير الطبري ١٠ / ٥٨٩ ـ ٥٩٠.
(٣) المسند ٢ / ٣١٤.
(٤) كتاب الغسل باب ٢٠ ، والتوحيد باب ٧ ، ٣٥.
(٥) تفسير الطبري ١٠ / ٥٩٠ ، بلفظ : فأحياهم الله بأعيانهم ، وزادهم مثلهم.