يسكنّ لما كان يسمع من الذكر والوحي عنده ، ففي بعض روايات هذا الحديث قال الحسن البصري بعد إيراده : فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الجذع وهكذا هذه الآية الكريمة إذا كانت الجبال الصم لو سمعت كلام الله وفهمته لخشعت وتصدعت من خشيته ، فكيف بكم وقد سمعتم وفهمتم؟ وقد قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) [الرعد : ٣١] الآية. وقد تقدم أن معنى ذلك أي لكان هذا القرآن ، وقد قال تعالى : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) [البقرة : ٧٤].
ثم قال تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) أخبر تعالى أنه الذي لا إله إلا هو فلا رب غيره ولا إله للوجود سواه ، وكل ما يعبد من دونه فباطل ، وأنه عالم الغيب والشهادة أي يعلم جميع الكائنات المشاهدات لنا والغائبات عنا ، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء من جليل وحقير وصغير وكبير حتى الذر في الظلمات.
وقوله تعالى : (هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) قد تقدم الكلام على ذلك في أول التفسير بما أغنى عن إعادته هاهنا ، والمراد أنه ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع المخلوقات ، فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، وقد قال تعالى : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف : ١٥٦] وقال تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) [الأنعام : ٥٤] وقال تعالى : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس : ٥٨] ثم قال تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ) أي المالك لجميع الأشياء المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة. وقوله تعالى : (الْقُدُّوسُ) قال وهب بن منبه أي الطاهر. وقال مجاهد وقتادة أي المبارك وقال ابن جريج تقدسه الملائكة الكرام (السَّلامُ) أي من جميع العيوب والنقائص لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله.
وقوله تعالى : (الْمُؤْمِنُ) قال الضحاك عن ابن عباس : أي أمن خلقه من أن يظلمهم. وقال قتادة : أمن بقوله أنه حق. وقال ابن زيد : صدق عباده المؤمنين في إيمانهم به. وقوله تعالى : (الْمُهَيْمِنُ) قال ابن عباس وغير واحد : أي الشاهد على خلقه بأعمالهم بمعنى هو رقيب عليهم كقوله (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [البروج : ٩] وقوله (ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ) [يونس : ٤٦] وقوله (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [الرعد : ٣٣] الآية.
وقوله تعالى : (الْعَزِيزُ) أي الذي قد عز كل شيء فقهره وغلب الأشياء فلا ينال جنابه لعزته وعظمته وجبروته وكبريائه ، ولهذا قال تعالى : (الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) أي الذي لا تليق الجبرية إلا له ولا التكبر إلا لعظمته ، كما تقدم في الصحيح «العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني واحدا منهما عذبته» (١) وقال قتادة : الجبار الذي جبر خلقه على ما يشاء. وقال ابن
__________________
(١) أخرجه أبو داود في اللباس باب ٢٦ ، وابن ماجة في الزهد باب ١٦ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٤٨ ، ـ