آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ)(١١)
تقدم في سورة الفتح في ذكر صلح الحديبية الذي وقع بين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبين كفار قريش فكان فيه : على أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا ، وفي رواية : على أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا ، وهذا قول عروة والضحاك وعبد الرّحمن بن زيد والزهري ومقاتل بن حيان والسدي ، فعلى هذه الرواية تكون هذه الآية مخصصة للسنة ، وهذا من أحسن أمثلة ذلك وعلى طريقة بعض السلف ناسخة ، فإن الله عزوجل أمر عباده المؤمنين إذا جاءهم النساء مهاجرات أن يمتحنوهن ، فإن علموهن مؤمنات فلا يرجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن.
وقد ذكرنا في ترجمة عبد الله بن أبي أحمد بن جحش من المسند الكبير من طريق أبي بكر بن أبي عاصم عن محمد بن يحيى الذهلي عن يعقوب بن محمد عن عبد العزيز بن عمران عن مجمع بن يعقوب عن حنين بن أبي لبانة عن عبد الله بن أبي أحمد قال : هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في الهجرة فخرج أخواها عمارة والوليد حتى قدما على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فكلماه فيها أن يردها إليهما فنقض الله العهد بينه وبين المشركين في النساء خاصة ، فمنعهم أن يردوهن إلى المشركين وأنزل الله آيات الامتحان.
قال ابن جرير (١) : حدثنا أبو كريب ، حدثنا يونس بن بكير عن قيس بن الربيع عن الأغر بن الصباح عن خليفة بن حصين عن أبي نصر الأسدي قال سئل ابن عباس كيف كان امتحان رسول الله صلىاللهعليهوسلم النساء ، قال : كان يمتحنهن بالله ما خرجت من بغض زوج وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض ، وبالله ما خرجت التماس دنيا ، وبالله ما خرجت إلا حبا لله ولرسوله ، ثم رواه من وجه آخر عن الأغر بن الصباح به ، وكذا رواه البزار من طريقه وذكر فيه أن الذي كان يحلفهن عن أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم له عمر بن الخطاب ، وقال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَ) وكان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله ، وقال مجاهد : (فَامْتَحِنُوهُنَ) فاسألوهن عما جاء بهن ، فإذا كان جاء بهن غضب على أزواجهن أو سخطة أو غيره ولم يؤمن فأرجعوهن إلى أزواجهن ، وقال عكرمة : يقال لها ما جاء بك إلا حب الله ورسوله ، وما جاء بك عشق رجل منا ولا فرار من زوجك فذلك قوله : (فَامْتَحِنُوهُنَ) وقال قتادة : كانت محنتهن أن يستحلفن بالله ما أخرجكن النشوز وما أخرجكن إلا حب الإسلام وأهله وحرص عليه ، فإذا
__________________
(١) تفسير الطبري ١٢ / ٦٤.