«إن في الجنة لطيرا فيه سبعون ألف ريشة فيقع على صحفة الرجل من أهل الجنة فينتفض ، فيخرج من كل ريشة يعني لونا أبيض من اللبن وألين من الزبد وأعذب من الشهد ، ليس منها لون يشبه صاحبه ثم يطير» هذا حديث غريب جدا والرصافي وشيخه ضعيفان ، ثم قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث ، حدثني الليث ، حدثنا خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن أبي حازم عن عطاء عن كعب قال : إن طائر الجنة أمثال البخت يأكل من ثمرات الجنة ويشرب من أنهار الجنة ، فيصطففن له فإذا اشتهى منها شيئا أتى حتى يقع بين يديه ، فيأكل من خارجه وداخله ثم يطير لم ينقص منه شيء ، صحيح إلى كعب وقال الحسن بن عرفة : حدثنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود قال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشويا».
وقوله تعالى : (وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) قرأ بعضهم بالرفع وتقديره ولهم فيها حور عين! وقراءة الجر تحتمل معنيين : أحدهما أن يكون الإعراب على الإتباع بما قبله كقوله تعالى : (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ) كما قال تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) [المائدة : ٦] وكما قال تعالى : (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) [الإنسان : ٢١] والاحتمال الثاني أن يكون مما يطوف به الولدان المخلدون عليهم الحور العين ، ولكن يكون ذلك في القصور لا بين بعضهم بعضا ، بل في الخيام يطوف عليهم الخدام بالحور العين ، والله أعلم. وقوله تعالى : (كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) أي كأنهن اللؤلؤ الرطب في بياضه وصفائه كما تقدم في سورة الصافات (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) [الصافات : ٤٩] وقد تقدم في سورة الرّحمن وصفهن أيضا ، ولهذا قال : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي هذا الذي أتحفناهم به مجازاة لهم على ما أحسنوا من العمل.
ثم قال تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) أي لا يسمعون في الجنة كلاما لاغيا أي عبثا خاليا عن المعنى أو مشتملا على معنى حقير أو ضعيف كما قال (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) [الغاشية : ١١] أي كلمة لاغية (وَلا تَأْثِيماً) أي ولا كلاما فيه قبح (إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) أي إلا التسليم منهم بعضهم على بعض كما قال تعالى : (تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) [إبراهيم : ٢٣] وكلامهم أيضا سالم من اللغو والإثم.
(وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ(٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (٣١) وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (٣٣) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤) إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦) عُرُباً أَتْراباً (٣٧) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (٣٨) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) (٤٠)
لما ذكر تعالى مآل السابقين وهم المقربون ، عطف عليهم بذكر أصحاب اليمين وهم