أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [غافر : ٥٧].
وقال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وقال تعالى في الآية الأخرى : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [غافر : ٥٧] وقال هاهنا : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ) أي يوم القيامة نعيدهم بأبدان خير من هذه فإن قدرته صالحة لذلك (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) أي بعاجزين كما قال تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) [القيامة : ٣ ـ ٤] وقال تعالى : (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ) [الواقعة : ٦٠ ـ ٦١] واختار ابن جرير (عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ) أي : أمة تطيعنا ولا تعصينا وجعلها كقوله : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) [محمد : ٣٨] والمعنى الأول أظهر لدلالة الآيات الأخر عليه والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم قال تعالى : (فَذَرْهُمْ) أي يا محمد (يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا) أي دعهم في تكذيبهم وكفرهم وعنادهم (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) أي فسيعلمون غب ذلك ويذوقون وباله (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) أي : يقومون من القبور إذا دعاهم الرب تبارك وتعالى لموقف الحساب ينهضون سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ، قال ابن عباس ومجاهد والضحاك : إلى علم يسعون ، وقال أبو العالية ويحيى بن أبي كثير إلى غاية يسعون إليها ، وقد قرأ الجمهور إلى نصب بفتح النون وإسكان الصاد وهو مصدر بمعنى المنصوب.
وقرأ الحسن البصري نصب بضم النون والصاد وهو الصنم أي كأنهم في إسراعهم إلى الموقف كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النصب إذا عاينوه ، يوفضون يبتدرون أيهم يستلمه أول. وهذا مروي عن مجاهد ويحيى بن أبي كثير ومسلم البطين وقتادة والضحاك والربيع بن أنس وأبي صالح وعاصم بن بهدلة وابن زيد وغيرهم ، وقوله تعالى : (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) أي خاضعة (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) أي في مقابلة ما استكبروا في الدنيا عن الطاعة (ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ). أخر تفسير سورة سأل سائل ، ولله الحمد والمنة.
تفسير سورة نوح
وهي مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ