شرط الصحيح.
وقوله تعالى : (وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والنضر بن عربي : يعني بالمقوين المسافرين ، واختاره ابن جرير (١) وقال : ومنه قولهم : أقوت الدار إذا رحل أهلها ، وقال غيره : القي والقواء القفر الخالي البعيد من العمران. وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم : المقوي هاهنا الجائع ، وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد : (وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ) ، للحاضر والمسافر لكل طعام لا يصلحه إلا النار ، وكذا روى سفيان عن جابر الجعفي عن مجاهد ، وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد : قوله : (لِلْمُقْوِينَ) يعني المستمتعين من الناس أجمعين ، وكذا ذكر عن عكرمة ، وهذا التفسير أعم من غيره ، فإن الحاضر والبادي من غني وفقير الجميع محتاجون إليها للطبخ والاصطلاء والإضاءة وغير ذلك من المنافع ، ثم من لطف الله تعالى أن أودعها في الأحجار وخالص الحديد بحيث يتمكن المسافر من حمل ذلك في متاعه وبين ثيابه ، فإذا احتاج إلى ذلك في منزله أخرج زنده وأورى وأوقد ناره فأطبخ بها واصطلى بها واشتوى ، واستأنس بها وانتفع بها سائر الانتفاعات ، فلهذا أفرد المسافرون وإن كان ذلك عاما في حق الناس كلهم!
وقد يستدل له بما رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث أبي خداش حبان بن زيد الشرعبي الشامي عن رجل من المهاجرين من قرن أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «المسلمون شركاء في ثلاثة : النار والكلأ والماء» (٢) وروى ابن ماجة بإسناد جيد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ثلاث لا يمنعن : الماء والكلأ والنار» (٣) وله من حديث ابن عباس مرفوعا مثل هذا وزيادة «وثمنه حرام» (٤) ، ولكن في إسناده عبد الله بن خراش بن حوشب وهو ضعيف ، والله أعلم.
وقوله تعالى : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) أي الذي بقدرته خلق هذه الأشياء المختلفة المتضادة : الماء الزلال العذب البارد ولو شاء لجعله ملحا أجاجا كالبحار المغرقة ، وخلق النار المحرقة وجعل ذلك مصلحة للعباد ، وجعل هذه منفعة لهم في معاش دنياهم وزجرا لهم في المعاد.
(فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ(٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (٧٩) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨٠) أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (٨١) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) (٨٢)
__________________
(١) تفسير الطبري ١١ / ٦٥٧.
(٢) أخرجه أبو داود في البيوع باب ٦٠ ، وابن ماجة في الرهون باب ١٦ ، وأحمد في المسند ٥ / ٣٦٤.
(٣) أخرجه ابن ماجة في الرهون باب ١٦.
(٤) أخرجه ابن ماجة في الرهون باب ١٦.