وقال البخاري (١) : قال ابن عباس (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) النصارى ، وعن عكرمة والسدي (عامِلَةٌ) في الدنيا بالمعاصي و (ناصِبَةٌ) في النار بالعذاب والإغلال ، قال ابن عباس والحسن وقتادة (تَصْلى ناراً حامِيَةً) أي حارة شديدة الحر (تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) أي قد انتهى حرها وغليانها ، قاله ابن عباس ومجاهد والحسن والسدي. وقوله تعالى : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : شجر من النار ، وقال سعيد بن جبير : هو الزقوم ، وعنه أنها الحجارة ، وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وأبو الجوزاء وقتادة : هو الشبرق ، قال قتادة : قريش تسميه في الربيع الشبرق وفي الصيف الضريع ، قال عكرمة : وهو شجرة ذات شوك لاطئة بالأرض.
وقال البخاري (٢) : قال مجاهد : الضريع نبت يقال له الشبرق يسميه أهل الحجاز الضريع إذا يبس وهو سم ، وقال معمر عن قتادة هو الشبرق إذا يبس سمي الضريع ، وقال سعيد عن قتادة (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) من شر الطعام وأبشعه وأخبثه ، وقوله تعالى : (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) يعني لا يحصل به مقصود ولا يندفع به محذور.
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (١٠) لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (١١) فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (١٢) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) (١٦)
لما ذكر حال الأشقياء ثنى بذكر السعداء فقال : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ) أي يوم القيامة (ناعِمَةٌ) أي يعرف النعيم فيها وإنما حصل لها ذلك بسعيها ، وقال سفيان (لِسَعْيِها راضِيَةٌ) قد رضيت عملها. وقوله تعالى : (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) أي رفيعة بهية في الغرفات آمنون (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) أي لا تسمع في الجنة التي هم فيها كلمة لغو كما قال تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً) [مريم : ٦٢] وقال تعالى : (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) [الطور: ٢٣] وقال تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) [الواقعة : ٢٥ ـ ٢٦] (فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) أي سارحة وهذه نكرة في سياق الإثبات ، وليس المراد بها عينا واحدة وإنما هذا جنس يعني فيها عيون جاريات.
وقال ابن أبي حاتم : قرئ على الربيع بن سليمان ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا ابن ثوبان عن عطاء بن قرة عن عبد الله بن ضمرة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنهار الجنة تفجر من تحت تلال ـ أو من تحت جبال ـ المسك» (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) أي عالية ناعمة كثيرة الفرش مرتفعة السمك عليها الحور العين ، قالوا فإذا أراد ولي الله أن يجلس على تلك السرر العالية تواضعت له (وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) يعني أواني الشرب معدة مرصدة لمن أرادها من أربابها.
__________________
(١) كتاب التفسير ، تفسير سورة ٨٨ ، في الترجمة.
(٢) راجع الحاشية السابقة.