العصر : الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم من خير وشر ، وقال مالك عن زيد بن أسلم : هو العشي ، والمشهور الأول فأقسم تعالى بذلك على أن الإنسان لفي خسر أي في خسارة وهلاك (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فاستثنى من جنس الإنسان عن الخسران الذين آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم (وَتَواصَوْا بِالْحَقِ) وهو أداء الطاعات ، وترك المحرمات (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) أي على المصائب والأقدار وأذى من يؤذي ممن يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر.
آخر تفسير سورة العصر ، ولله الحمد والمنة.
تفسير سورة الهمزة
وهي مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١) الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ (٢) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (٣) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (٤) وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥) نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ(٧) إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) (٩)
الهماز بالقول واللماز بالفعل يعني يزدري الناس وينتقص بهم ، وقد تقدم بيان ذلك في قوله تعالى : (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) [القلم : ١١] قال ابن عباس : همزة لمزة ، طعان معياب. وقال الربيع بن أنس : الهمزة يهمزة قي وجهه واللمزة من خلفه وقال قتادة : الهمزة واللمزة لسانه وعينه ويأكل لحوم الناس ويطعن عليهم (١). وقال مجاهد : الهمزة باليدين والعين واللمزة باللسان وهكذا قال ابن زيد. وقال مالك عن زيد بن أسلم : همزة لحوم الناس ، ثم قال بعضهم : المراد بذلك الأخنس بن شريق وقيل غيره وقال مجاهد هي عامة.
وقوله تعالى : (الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) أي جمعه بعضه على بعض وأحصى عدده كقوله تعالى : (وَجَمَعَ فَأَوْعى) [المعارج : ١٨] قاله السدي وابن جرير ، وقال محمد بن كعب في قوله : (جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) ألهاه ماله بالنهار هذا إلى هذا فإذا كان الليل نام كأنه جيفة منتنة.
وقوله تعالى : (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) أي يظن أن جمعه المال يخلده في هذه الدار (كَلَّا) أي ليس الأمر كما زعم ولا كما حسب. ثم قال تعالى : (لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) أي ليلقين هذا الذي جمع مالا فعدده في الحطمة وهي اسم صفة من أسماء النار لأنها تحطم من فيها ولهذا قال : (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) قال ثابت البناني :
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ١٢ / ٦٨٧.