كالغلاف على الحنطة.
وقال ابن زيد : العصف ورق الزرع وورق البقل إذا أكلته البهائم فراثته فصار درينا والمعنى أن الله سبحانه وتعالى أهلكهم ودمرهم وردّهم بكيدهم وغيظهم ، لم ينالوا خيرا ، وأهلك عامتهم ولم يرجع منهم مخبر إلا وهو جريح كما جرى لملكهم أبرهة فإنه انصدع صدره عن قلبه حين وصل إلى بلده صنعاء ، وأخبرهم بما جرى لهم ثم مات فملك بعده ابنه يكسوم ثم من بعده أخوه مسروق بن أبرهة ، ثم خرج سيف بن ذي يزن الحميري إلى كسرى فاستعانه على الحبشة فأنفذ معه من جيوشه فقاتلوا معه فرد لله إليهم ملكهم ، وما كان في آبائهم من الملك وجاءته وفود العرب للتهنئة ، وقد قال محمد بن إسحاق : حدثنا عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرّحمن بن أسعد بن زرارة عن عائشة قالت : لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان ورواه الواقدي عن عائشة مثله ، ورواه أيضا عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت : كانا مقعدين يستطعمان الناس عند إساف ونائلة حيث يذبح المشركون ذبائحهم.
(قلت) : كان اسم قائد الفيل أنيسا. وقد ذكر الحافظ أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن عقيل بن خالد عن عثمان بن المغيرة قصة أصحاب الفيل ، ولم يذكر أن أبرهة قدم من اليمن وإنما بعث على الجيش رجلا يقال له شمر بن مقصود ، وكان الجيش عشرين ألفا ، وذكر أن الطير طرقتهم ليلا فأصبحوا صرعى ، وهذا السياق غريب جدا وإن كان أبو نعيم قد قواه ورجحه على غيره ، والصحيح أن أبرهة الأشرم الحبشي قدم مكة كما دل على ذلك السياقات والأشعار ، وهكذا روي عن ابن لهيعة عن الأسود عن عروة أن أبرهة بعث الأسود بن مقصود على كتيبة معهم الفيل ، ولم يذكر قدوم أبرهة نفسه ، والصحيح قدومه ولعل ابن مقصود كان على مقدمة الجيش والله أعلم. ثم ذكر ابن إسحاق (١) شيئا من أشعار العرب فيما كان من قصة أصحاب الفيل فمن ذلك شعر عبد الله بن الزبعرى : [الطويل]
تنكلوا عن بطن مكة إنها |
|
كانت قديما لا يرام حريمها |
لم تخلق الشعرى ليالي حرمت |
|
إذ لا عزيز من الأنام يرومها |
سائل أمير الجيش عنها ما رأى |
|
فلسوف ينبي الجاهلين عليمها |
ستون ألفا لم يؤوبوا أرضهم |
|
بل لم يعش بعد الإياب سقيمها |
كانت بها عاد وجرهم قبلهم |
|
والله من فوق العباد يقيمها |
وقال أبو قيس بن الأسلت الأنصاري المري : [المتقارب]
ومن صنعه يوم فيل الحبوش |
|
إذ كل ما بعثوه رزم (٢) |
__________________
(١) انظر سيرة ابن هشام ١ / ٥٨.
(٢) الأبيات في ديوان أمية بن أبي الصلت ص ٥٧ ، والبيت الأخير بلا نسبة في لسان العرب (ثأج) ، وتاج ـ