ثم قال البزار : لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد عن أبي بكر رضي الله عنه. وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى : (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) أي في عنقها حبل من نار جهنم ترفع به إلى شفيرها ثم ترمى إلى أسفلها ، ثم كذلك دائما ، قال أبو الخطاب بن دحية في كتاب التنوير ، وقد روى ذلك وعبر بالمسد عن حبل الدلو ، كما قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات : كل مسد رشاء ، وأنشد في ذلك : [رجز]
وبكرة ومحورا صرارا |
|
ومسدا من أبق مغارا |
قال : والأبق القنب. وقال الآخر : [رجز]
يا مسد الخوص تعوّذ مني |
|
إن تك لدنا لينا فإني (١) |
ما شئت من أشمط مقسئنّ |
قال العلماء : وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة ، فإنه منذ نزل قوله تعالى : (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان لم يقيض لهما أن يؤمنا ولا واحد منهما لا باطنا ولا ظاهرا ، لا مسرا ولا معلنا ، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة الباطنة على النبوة الظاهرة ، آخر تفسير السورة ، ولله الحمد والمنة.
تفسير سورة الإخلاص
وهي مكية
(ذكر سبب نزولها وفضلها)
قال الإمام أحمد (٢) : حدثنا أبو سعيد محمد بن ميسر الصاغاني ، حدثنا أبو جعفر الرازي ، حدثنا الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : يا محمد «انسب لنا ربك ، فأنزل الله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) وكذا رواه الترمذي (٣) وابن جرير (٤) عن أحمد بن منيع ، زاد ابن جرير ومحمود بن خداش عن أبي سعيد محمد بن ميسر به زاد ابن جرير والترمذي قال (الصَّمَدُ)
__________________
(١) الرجز بلا نسبة في لسان العرب (مسد) (قسن) ، وتاج العروس (مسد) ، (قسن) ، وجمهرة اللغة ص ١٠٨٩ ، ١٢٢٠ ، وكتاب العين ٥ / ٧٩ ، ومقاييس اللغة ٥ / ٨٧ ، والمخصص ٢ / ٩٥ ، وتهذيب اللغة ٨ / ٤٠٩ ، ١٢ / ٣٨٠.
(٢) المسند ٥ / ١٣٣ ، ١٣٤.
(٣) كتاب التفسير ، تفسير سورة ١١٢ ، باب ١.
(٤) تفسير الطبري ١٢ / ٧٤٠.