انفرد بإخراجه مسلم عن أبي الربيع وأبي كامل ، كلاهما عن حماد بن زيد عن أيوب به.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(١١)
يقول تعالى مؤدبا عباده المؤمنين وآمرا لهم أن يحسن بعضهم إلى بعض في المجالس (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ) وقرئ «في المجلس» (فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) وذلك أن الجزاء من جنس العمل كما جاء في الحديث الصحيح : «من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة» (١) وفي الحديث الآخر : «ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» (٢) ولهذا أشباه كثيرة ، ولهذا قال تعالى : (فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) قال قتادة: نزلت هذه الآية في مجالس الذكر ، وذلك أنهم كانوا إذا رأوا أحدهم مقبلا ضنوه بمجالسهم عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأمرهم الله تعالى أن يفسح بعضهم لبعض (٣).
وقال مقاتل بن حيان : أنزلت هذه الآية يوم الجمعة ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يومئذ في الصفة وفي المكان ضيق ، وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوه إلى المجالس ، فقاموا حيال رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا السّلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، فرد النبي صلىاللهعليهوسلم عليهم ، ثم سلموا على القوم بعد ذلك فردوا عليهم ، فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم ، فعرف النبي صلىاللهعليهوسلم ما يحملهم على القيام فلم يفسح لهم ، فشق ذلك على النبي صلىاللهعليهوسلم فقال لمن حوله من المهاجرين والأنصار من غير أهل بدر : «قم يا فلان وأنت يا فلان» فلم يزل يقيمهم بعدة النفر الذين هم قيام بين يديه من المهاجرين والأنصار أهل بدر ، فشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف النبي صلىاللهعليهوسلم الكراهة في وجوههم ، فقال المنافقون ألستم تزعمون أن صاحبكم هذا يعدل بين الناس؟ والله ما رأيناه قبل عدل على هؤلاء إن قوما أخذوا مجالسهم وأحبوا القرب من نبيهم فأقامهم وأجلس من أبطأ عنه ، فبلغنا أن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم قال : «رحم الله رجلا فسح لأخيه» فجعلوا يقومون بعد ذلك سراعا فيفسح القوم لإخوانهم ونزلت هذه الآية يوم الجمعة. رواه ابن أبي حاتم.
وقد قال الإمام أحمد والشافعي حدثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه فيجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا» (٤)
__________________
(١) أخرجه مسلم في المساجد حديث ٢٤ ، ٢٥.
(٢) أخرجه مسلم في الذكر حديث ٣٨.
(٣) انظر تفسير الطبري ١٢ / ١٨.
(٤) أخرجه البخاري في الجمعة باب ٢٠ ، وأحمد في المسند ٢ / ١٧ ، ٢٢ ، ١٠٢.