ونبيّن أهمّ الأُسس الفكرية لتلك الحركة ، والتي منها تظهر فداحة الخطب وخطورة الموقف والثمار المرّة التي جناها المسلمون من هذا الفكر. ومن هنا يمكن الإشارة إلى أهمّ خصائصهم ومرتكزاتهم الفكرية ، وهي :
١. الدعوة إلى التجسيم
يمتاز الفكر الإسلامي بصفات خاصة تميّزه عن غيره وتفضّله على ما سواه من النظريات والأفكار الأُخرى ، ومن بين النقاط الناصعة والعلامات المضيئة في هذا الفكر هو نظرية تنزيه الحق تعالى من الجسم والجسمانيات حتّى عدّ أحد شعارات المسلمين الأساسية قولهم : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (١) ، وقد بذل الفلاسفة والمتكلّمون المسلمون جهوداً جبارة ومساعي مشكورة لترسيخ تلك النظرية ، والتصدّي للمجسّمة والمشبّهة ، وإيصاد الأبواب أمام أفكارهم الدخيلة وعدم السماح لها في الدخول إلى حظيرة الإسلام ، كما تصدّوا دائماً للتوراة المحرّفة لا التوراة الحقيقية التي عبّر عنها القرآن الكريم بقوله : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ). (٢) نعم تصدّوا للتوراة المحرفة التي لم تكتف بوصفه بالجسم والجسمانيّة فقط ، بل أنزلته سبحانه وتعالى من مقامه السامي إلى الأرض ليدخل على يعقوب في خيمته ويصارعه. (٣)
والذي يؤسف له أنّ ابن تيمية تخطّى تلك الجهود محاولاً السماح لفكرة التجسيم والتشبيه بالعودة إلى الأوساط الإسلامية داعياً إليها ، حيث صرح بأنّه
__________________
(١) الشورى : ١١.
(٢) المائدة : ٤٤.
(٣) التوراة ، كتاب التكوين ، الفصل ٣٢ ، الجمل ٢٦ ـ ٣٠ ، طبع عام ١٨٥٦ م.