خلال معرفة الإنسان والإحاطة بميوله وغرائزه وعواطفه أن يرسم له خطاً ، ويسنّ لها قانوناً ينسجم مع تلك الغرائز والميول ، ويمتلك القدرة على تهذيبها وتربيتها بنحو يسوقها نحو الهداية والكمال المنشود من وراء خلقها.
كذلك لا بدّ أن يكون المقنّن ذا معرفة كاملة وعلم تام بالمجتمع بجميع أبعاده وخصوصياته وزواياه ، حتى يتمكّن من معرفة مهام ووظائف الأفراد في المجتمع من جهة ويعرف حقوقهم التي ينبغي للمجتمع توفيرها من جهة أُخرى ، كذلك يعرف أُسلوب حركة الأفراد في المجتمع والعوامل المؤثرة على حركتهم ، وردود الفعل التي يبدونها اتّجاه تلك العوامل والضغوط.
ولا ريب أنّ هذه الخصوصية ـ المعرفة الكاملة بالمجتمع ـ هي الأُخرى من خصائصه سبحانه ولا يشاركه فيها أحد من خلقه مهما كان ، ولقد أشارت آيات الذكر الحكيم إلى هذه المسألة ، حيث قال سبحانه :
(أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). (١)
ثمّ إنّ الله الذي خلق ذرّات الإنسان وخلاياه التي لا تحصى وخلق أعضاءه ومكوّناته المختلفة ، هو وحده العارف بمتطلّباته وحاجاته المعلنة والخفية ، وما ينفعه وما يضرّه ، ومصالحه ومفاسده ، على أكمل وجه وأتمّ صورة ، لا يدانيه في هذه المعرفة أحد أبداً ، وهو وحده العالم بطريقة وأُسلوب حركة المجتمع ، ومنهج التعايش الذي ينبغي أن يعتمدونه ، وردود الفعل التي يبدونها تجاه القوانين والتشريعات ، وتحديد المهام والوظائف التي تكون عاملاً في انسجام المجتمع وسوقه إلى الاستقرار والرقي والكمال ، ووضع الإنسان في
__________________
(١) الملك : ١٤.