كالسجن والإبعاد ، أو على أقل تقدير المحاربة بلقمة العيش.
من هنا ندرك أهمية هذا الشرط وقيمته في التشريع ، وكيف يكون استقلال المقنّن وتحرّره عاملاً فاعلاً في الرؤية الموضوعية ، وممّا لا شكّ فيه أنّ التحرر الكامل والنفوذ المطلق والغنى التام هو من خصائصه سبحانه وحده لا شريك له ، ولهذا فهو الجدير بمقام التشريع وسن القانون ولا يستحق هذا المنصب غيره مهما كان.
ومن حسن الحظ أنّ بعض المحقّقين والمفكّرين الغربيين تنبّهوا إلى هذا الشرط ومدى أهميّته في موضوعية القانون وواقعيته من أمثال المفكّر جان جاك روسو حيث يقول في كتابه «العقد الاجتماعي» : «لاكتشاف أفضل القوانين المفيدة للشعوب لا بدّ من وجود عقل يرى جميع الشهوات البشرية ولكن لا يجد في ذاته ميلاً نحوها. عقل لا يرتبط بالطبيعة ولا يخضع لضغوطها ، ولكنّه يعرفها تمام المعرفة ، عقل لا ترتبط سعادته بنا ولكنّه مستعد لئن يعيننا في سعادتنا». (١)
إلى هنا اتّضح لنا حكم العقل في حصر حق التقنين والتشريع في الله وحده لا يشاركه في هذا الحقّ غيره مهما كان ، وقد حان الوقت لدراسة المسألة من الزاوية الأُخرى لنرى ما هي الرؤية القرآنية في هذه القضية الحسّاسة والمهمة؟
القرآن وحصر التشريع بالله سبحانه
لقد أقرّ القرآن الكريم حكم العقل بحصر حق التشريع بالله تعالى حيث
__________________
(١) العقد الاجتماعي : ٨١.