جديد يختلف عمّا سبقه على جميع الأصعدة. وقد يطلق على عملهم هذا لغة «البدعة» أو «البديع» ، ومن هنا أُطلق مصطلح «البديع» على الله سبحانه نفسه ، حيث قال تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، (١) لأنّه سبحانه قد ابتدع خلق السماوات والأرض والإنسان من دون مثال سابق.
والجدير بالذكر أنّ البدعة بهذا المعنى ليست هي محط بحثنا هنا ، وبعبارة أُخرى : ليست هي موضوع التحريم والنهي الذي ورد في النصوص. وذلك لأنّ الدين لا يضاد الحداثة ، ولا يخالف التجديد ، سواء على الصعيد الفردي أو الاجتماعي ، فالمجتمع البشري الآن يعيش حالة من التنوّع والتجديد في جميع نواحي حياته من المسكن والملبس والمركب والمشرب ووسائل التعليم وأساليبها و ... بنحو يختلف اختلافاً جوهرياً عمّا كان عليه الإنسان في الماضي ، وهذه الأُمور وإن كان التعريف اللغوي للبدعة يشملها بحيث يصحّ إطلاق لفظ البدعة لغة عليها ، ولكن ذلك ليس من مصاديق البدعة في الاصطلاح والتي تعدّ من الذنوب الكبيرة.
ولقد حدّثنا المؤرّخون : انّ أوّل بدعة حدثت بعد رحيل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بين المسلمين أنّهم عمدوا إلى نخل الدقيق وفصل السبوس «قشور الحب» عنه ، ولا ريب أنّ هذه الظاهرة الفتية تُعدّ بدعة مستحدثة في الحياة ليس لها سابقة ، ولكن ذلك لا يعني أنّها من مصاديق البدعة التي قال بحرمتها فقهاء المسلمين. ومن هنا اقتضى الأمر البحث في بيان البدعة التي هي موضوع الحكم الشرعي ، أي البدعة التي حرّمها الشارع ونهى عنها.
__________________
(١) البقرة : ١١٧.