باتوا على قُلَلِ الأجبال تحرسهم |
|
غلب الرجال فما أغنتهم القُلل |
واستنزلوا بعد عزّ من معاقلهم |
|
فأُودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا |
ناداهم صارخ من بعد ما قبروا |
|
أين الأسرّة والتيجان والحُلَلُ |
أين الوجوه التي كانت مُنعَّمة |
|
من دونها تُضرب الأستار والكلل |
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم |
|
تلك الوجوه عليها الدود يقتتل |
أضحت منازلهم قفراً مُعَطّلة |
|
وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا (١) |
وهكذا تجد كيف يستفيد الإمام من الصورة المرعبة والموحشة للقبر في ردع الطاغية عن غيّه ، وهو في أشدّ حالات زهوه وبطره وتماديه.
الوقوف على قبور الأحبّة
لا ريب أنّ الذين يفقدون عزيزاً من أعزّتهم تبقى آثاره ـ رغم فقده ـ تلاعب مخيلتهم وذكره في قلوبهم ، فلا ينسوه بحكم العلاقة العاطفية والآصرة الروحية التي تشدّهم إليه ، ولذلك تجدهم دائماً يذكرونه ويجدّدون ذكراه ، وبما أنّ الموت يفصل بينهم وبينه جسديّاً إلّا أنّهم يعوضون ذلك باللقاء الروحي والمعنوي ، سواء كان ذلك بصورة فردية أو جماعية فيجتمعون على قبره ويقيمون المراسم ويهدون لروحه ثواب الفاتحة ، وغيرها من الأعمال التي يهدون ثوابها إليه.
إذاً الحزن على فقد العزيز وإقامة مراسم العزاء أو التأبين لفقده أمرٌ رائج بين عامّة الناس ، وفي جميع إرجاء المعمورة ، ومن هنا يمكن القول إنّ القضية لها جذور في فطرة الإنسان ، وبمعنى آخر : انّ نفس القوّة التي تدفع الإنسان وتجذبه
__________________
(١) مروج الذهب : ٤ / ٩٣.